+ A
A -
ما زلت أتذكر تلك اللحظة التي حولت حياتي إلى نبضات تدق في عيوني كل ثانية، كنت قد بلغت السابعة من عمري، وقد جرت العادة وفقًا لقوانين عائلتي أن يتقلد الطفل أو الطفلة «هديته الرائعة» التي تثبت له أولًا ولعائلته ثانيًا أنه قد بات قادرًا على إنجاز العديد من الأمور بنفسه، وكانت تلك الهدية المنتظرة تشكل الاختبار الحقيقي لإثبات ذلك.
ولكن هديتي المنتظرة، كانت مختلفة أيضًا،....ما زلت أسمع نغمات قلبي وهي تتراقص فرحًا، عندما دخل والدي من الباب عائدًا من رحلته إلى «بولونيا» مع أختي الكبرى التي «أحن» إلى رؤية وجهها الطيب، دخلا تحلقنا حولهما كالعصافير الباحثة عن غصن للاستلقاء عليه والتغريد، وقف والدي متوسطا غرفة الجلوس، ثم فتح محفظته وتقدم مني واضعاَ هديتي المنتظرة في يدي «ساعة كاسيو الجديدة»، تنفست الصعداء، وأخيرًا وصلت هديتي ولم تكن مجرد ساعة - كنت أعد الدقائق والأيام - لقد كانت الإعلان الحقيقي من والدي أنني أصبحت جديرة بثقته، لقد أصبحت مسؤولة عن دقائق حياتي، ثم قبلني قائلاً:«خلك عينك الساعة.... هيدي عمرك».
كانت كل الدقائق في أعمارنا لها قيمة، فلقد كنا في كل دقيقة نراقب عقارب الساعة إلى أين تقودنا لنحيا الحياة مستمتعين بتفاصيلها، كان النهار له طعم الانتعاش مع عقارب ساعتي التي لا تتوقف عن الدوران، والليل له طعم السكون مع همس ثواني ساعتي معلنة انضمامها للنوم مع النجوم، وكانت الدقائق التي تدور صامتة حول معصمي تضيف لي شعورًا بالحياة.... حتى أتت تلك اللحظة، - شأني شأن كل الصبايا - في عمري خلعنا ساعاتنا واختلطت الأوقات... ولم نعد نعرف للدقائق التي تمر قيمة.
إننا اليوم نعيش في زمن، فقدنا فيه المتعة والشعور بدقائق العمر، إننا لا نلحظ كيف تمر الساعات، اختلطت أوقات النوم بالاستيقاظ، والطعام بالدراسة، والمتعة بالحزن، لقد فقدنا السيطرة على دقائق العمر، فاختلطت أوراق الحياة في مفكرتنا الزمنية، وترانا نتخبط في الحياة، نعاني من جوع للنوم، وجوع للطعام، وجوع للمشاعر، وجوع للحب، وجوع للعمل،... فالعقارب توقفت عن الدوران، ومعصمنا بات يتيمًا يحن لذلك الإطار الزمني... ونحن لم نعد نشعر بقيمة الوقت..
«خلك عينك عالساعة... هيدا عمرك»، أعيدوا الساعات إلى معصمكم الحزين، وأعيدوا القيمة لعمركم القصير، راقبوا أنفسكم وأنت تقودون حياتكم، اجعلوا ساعتكم تخبركم أنه قد حان وقت الاستيقاظ للتمتع بنور الشمس، ودعوها تحملكم وتدور بكم مع عقاربها لتتنشقوا أوكسجين العمل والنشاط، ولتسمحوا لها أن ترميكم بعيدًا لدقائق في سكون صلاتكم اليومية، دعوها تدور وأنتم تدورون في فلكها لتعود القيمة لكل شيء تعيشونه من مشاعر حب، فرح، حزن، متعة أو استسلام، تناولوا طعامكم في وقته لتحسنوا تذوق ملذات الحياة، أطلقوا لها عند كل ساعة تمر الحرية في أن تهمس نابضة لتخبر قلبكم أنه قد فات من عمركم «ساعة» فلا تفوتوا بقية الساعات.
أعيدوا الساعات إلى معصمكم، ولنعد معًا مفهوم التوازن في تذوق إكسير الحياة بكل ألوانه... وقبل أن أنظر إلى ساعتي لأعلم «هل يحق لي بمزيد من الكلمات؟»، أدعوكم أصدقائي لأن تضعوا ساعتكم لتقرأ لكم دقائق عمركم... لا لعرضها كلوحة تزين معصمكم أمام الغرباء...«خلك عينك عالساعة... هيدا عمرك.. قبل أن يفوت الأوان».
copy short url   نسخ
25/09/2021
209