+ A
A -
يشهد التاريخ الفلسطيني أن يوم السادس من سبتمبر 2021 لم يكن يوماً عادياً، بل كان يوماً نضالياً فلسطينياً خالصاً، أحدث زلزالاً في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بكافة فروعها، حينما نجح ستة أسرى من اختراق المنظومة الأمنية لسجن جلبوع «الخزنة» عبر نفق حفروه بـ«ملعقة الحرية»، بإرادتهم الصلبة وتحديهم لإرادة وصلف السجان، لإدراكهم أن بزوع شمس الحرية آت وإن طال، وأن زنازين وسجون الاحتلال وقيوده الأمنية وإجراءاته المشددة إلى زوال.
ما تيسر من حديث الأسرى الأربعة الذين أعيد اعتقالهم، محمد ومحمود عارضة، ويعقوب قادري وزكريا الزبيدي، يجب أن يكون درساً في التربية الوطنية، وانتزاع حريتهم وتنسمهم هواء مناطق 48 وتناولهم ثمار البساتين درساً في الجغرافيا السياسية، وإدراكهم أنه مهما طالت سنوات السجن فإن فجر الحرية آت، والتصاق الفلسطيني بأرضه وهويته الوطنية مهما حاول الاحتلال تزييف الوقائع درس في التاريخ، وحرصهم على عدم طلب المساعدة من أهلنا في الـ48 خشية تعرضهم لعقوبات إسرائيلية درس في الأخلاق الوطنية.
إن النجاح الباهر الذي حققه الأسرى في سجون الاحتلال في التربية الوطنية والجغرافيا والتاريخ معاً، لم يحققه الفلسطينيون بكامل قواهم السياسية وخاصة طرفي الانقسام، لقد تجلت مرة أخرى في معركة «نفق الحرية» بعد «معركة القدس»، وحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة حقوقه الوطنية، ووحدة قضيته، ووحدة المشروع الوطني مهما تمايزت أهدافه في المدى المباشر، دولة مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس على حدود 4 يونيو67، وحق العودة إلى الديار والممتلكات التي هُجر منها شعبنا منذ عام 1948، والمساواة في المواطنة وما يترتب على ذلك من الإجحاف والتمييز.. والمساواة القومية على قاعدة إبراز الهوية الوطنية وصونها وضمان حقوقها في مناطق الـ48. إن تمايز هذه الأهداف لا يلغي تكاملها بل يؤسس لهذا التكامل، باعتبار أن التقدم على محور أي من هذه الأهداف، ينعكس إيجاباً على المحورين الآخرين، ويخدم تقدمهما بشكل مباشر، ويؤسس لوحدة تلك الأهداف تحت عنوان «الحقوق الوطنية غير قابلة للتصرف للشعب الفلسطيني».
فمهما حاول الاحتلال الاستعماري الاستيطاني العبث بهذه الأهداف التي رسمها المشروع الوطني الفلسطيني سيفشل، كون شعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، أكثر وعياً وتفهماً لما يحاول الاحتلال صناعته في حربه على شعبنا الفلسطيني وحقوقه الوطنية، والذاكرة كثيرة والتي كان آخرها، الحرب الإعلامية والنفسية الشعواء، حرب الشائعات لزرع بذور الشقاق والفرقة في صفوف الشعب الواحد (48 + 67)، وضرب النسيج الاجتماعي من خلال إذاعة خبر مفاده أن وشاية أحد المواطنين النصراويين هي من أدت لاعتقال اثنين من أسرى سجن جلبوع، للتغطية على الضربة والإخفاق الأمني الذي مُني به الاحتلال في انتزاع أسرى جلبوع حريتهم.
في المحصلة هذه المحاولة الإسرائيلية لم تكن صدفة بل كانت عن سابق إصرار للعبث بالنسيج المجتمعي لشعبنا الفلسطيني في الـ48 الهادفة لحرف البوصلة وإضعاف مجابهة الاحتلال وتكريسه التي طالما دفع شعبنا في الناصرة فاتورتها الكبيرة جراء مواقفه المناهضة للاحتلال وسياساته التمييزية العنصرية.
ما حققه أسرى «نفق الحرية» والأسرى في سجون الاحتلال من إنجازات عنوةً عن الاحتلال وإجباره على التراجع عن إجراءاته إلى ما قبل السادس من أيلول، والذي لم يكن يتحقق لولا الوحدة الوطنية بكافة تجلياتها في التخطيط والتفكير بشكل جماعي، ما يستدعي من الفصائل الفلسطينية وخصوصاً طرفي الانقسام (فتح + حماس) استخلاص العبر والدروس من تجربة الأسرى في إنجاز الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة لقيادة وتوجيه النضال الوطني التحرري ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخلق واقع نضالي استراتيجي فلسطيني جامع لتغطية ساحة الحضور الفلسطيني في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.
ما يميز عملية «نفق الحرية» هو طرحها لقضية الأسرى على بساط البحث باعتبارها قضية رئيسية كبرى من قضايا النضال الوطني، وتحريرها من آليات الاهتمامات المتقطعة لصالح إدراجها بنداً دائماً على جدول أعمال الحركة الوطنية وحركات التحرر العالمية، ما يفترض تطوير مؤسسات ولجان وآليات الاهتمام بقضايا الأسرى واسنادهم في معاركهم اليومية.
ختاماً، إن مفاعيل الهزيمة الأمنية في إحباط عملية «نفق الحرية» ألحقت الضرر بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية ووضعت الاحتلال أمام استحقاقات كبرى بفقدان ماء وجهه وتلقيه ضربة قاسية ومؤلمة التي طالما يتباهى بامتلاكه منظومة أمنية لا تضاهى في المنطقة، ومعدات أمنية وجدت لها رواجاً في السوق العالمية.وسام زغبر
كاتب ونقابي فلسطيني
copy short url   نسخ
18/09/2021
414