+ A
A -
التعريف المبسط والواضح للشورى أنها أخذ رأي أهل المعرفة والحكمة، أو أي فرد على اطلاع كبير ومعمق بأحوال المجتمع، والشورى موجودة ومأخوذ بها من أيام الرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الله سبحانه وتعالى أمر رسوله بمشاورة أصحابه في قوله: «وَشَأوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» سورة آل عمران، آية 159. وعليه فمما لا شك فيه أن الذهاب إلى مقار لجان انتخاب مجلس الشورى في الثاني من شهر أكتوبر المقبل واختيار الأعضاء بنزاهة يمثل الخطوة الأساسية على طريق توسيع المشاركة الشعبية بموجب الدستور الذي أقره الشعب في عام 2004، فالمجلس المنتخب يجيء من أجل فتح نافذة أو بالأحرى نوافذ متسعة يُنظر من خلالها على توجهات المواطن القطري واحتياجاته ورغباته، في إطار مفهوم جديد لا يرى في مجلس الشورى مجرد تعزيز للدور التشريعي والرقابي وإقرار الميزانية فحسب، وإنما باعتباره أداة من أدوات الرأي العام التي تتوفر لديها الخبرة والحكمة والعلم والمنطق والمعرفة الكافية بنبض القطريين، ومن ثم تمثل جسرا متينا بين الرأي العام والحكومة ليتحقق التفاعل بين المطالب الشعبية المشروعة وبين القدرات الحكومية المتاحة.
لذلك فإن التجاوب والتعاطي الإيجابي مع هذه الخطوة من جانب الشعب يعكس مدى الوعي الذي يتمتع به الإنسان القطري، وحرصه على تحقيق المزيد من الارتقاء الاجتماعي والنمو الاقتصادي وجودة التعليم ومستوى الخدمات الصحية والبيئية والأحوال الأسرية، والأهم من كل هذا التوازن بين الحقوق والواجبات، والإبقاء على مكانة قطر المتفردة عالميا، والمرتكزة على قاعدة صلبة من الإنجازات الحضارية في مختلف المجالات.
وطبعا سمعنا وقرأنا وشاهدنا كثيرا حول مبدأ أن الحكومة لا تدعم مرشحا بعينه وإنما تدعم اختيار الشعب، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الناخب بأن يعطي صوته لمن يراه أكثر نفعا للمجتمع، فأهمية الشورى تكمن في حفظ المجتمع من القرارات الخاطئة، وتوفر الفرصة للاستماع لآراء أهل المعرفة والحكمة والخبرة، ومناقشة الآراء المطروحة لتصويب مواطن الخلل بها، وتتيح الفرصة لاختيار آراء واقتراحات توفر خيرا أكبر للجميع.
وعلى صلة بهذا هناك العديد من الموضوعات الهامة في انتظار المجلس المنتخب، الذي يعقد الشعب عليه الكثير من الآمال والتطلعات، وفي مقدمة هذه الموضوعات دعم الحكومة من أجل تحقيق رؤية قطر 2030 وهذا الموضوع في الحقيقة هو الأهم لأنه بتحقيق هذه الرؤية يتحقق ما يصبو إليه كل مواطن، فالناس في حاجة إلى تنفيذ استراتيجية واضحة جدا للتنمية المستدامة تضمن مستقبلا لهم وللأجيال القادمة، وليس جديدا القول بأن العالم كله يتجه اليوم نحو تحقيق التنمية المستدامة بعناصرها السبعة عشر التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة ويكرس لها كل الجهود، فلذلك يجب على عضو مجلس الشورى أن يضع نصب عينيه هذا الأمر، وأن أهم مقومات التنمية المستدامة تنمية الاقتصاد، وبالتالي يتوجب على هذا المجلس الإسراع ببحث الوسائل التي تجعل اقتصاد قطر اقتصادا مزدهرا قادرا على التعامل مع كل الظروف والتحديات الطارئة ويتناسب مع مكانة دولتنا الغالية.
لقد أدركت قيادتنا الحكيمة وحكومتنا الرشيدة أنه قد حان الوقت لاتخاذ هذه الخطوة رغم الظروف التي تفرضها تحديات كثيرة إقليمية وعالمية كان يمكن الاستناد إليها لإرجاء هذه الخطوة، ومن هذه التحديات وباء كورونا وما يتطلب من إجراءات احترازية لمواجهته، ولكن جوهر الرغبة الصادقة في تنشيط المشاركة الشعبية وتعزيز الدور التشريعي والرقابي والنية الصادقة والجهود المخلصة في سبيل توفير احتياجات المواطن وتلبية مطالبه كان وراء هذه الخطوة في هذا التوقيت المناسب.
وأختم بالقول إن مجلس الشورى المنتخب بحسب اللوائح الصادرة بشأنه سيكون ممثلا لكل أطياف المجتمع، مما سيمكنه من القدرة الكاملة على التعبير العملي عن مطالب الناس وتلبيتها عبر سن التشريعات ومراقبة عمل الحكومة، مجلس يتسع لكل صاحب فكر ورأي يستمد مرجعيته فقط من الإيمان بالوطن الذي يستوعب كل الأفكار والآراء المتنوعة التي تصنع في النهاية إرادة وطنية حقيقية ليست مجرد شعارات، ولكنها تطبيق عملي يكون عونا لصانع القرار وليست عبئا عليه للسير في الطريق المفتوح أمام المستقبل الأفضل والأكثر إشراقا.
copy short url   نسخ
15/09/2021
1117