+ A
A -
بيروت - الأناضول - قبل انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، كان شارعا الجميزة ومار مخايل، الشهيران قلب العاصمة اللبنانية النابض.
فالمقاهي والمطاعم والموسيقى وزحمة الساهرين كانت تملأ الشارعين عند كل ليلة حتى ساعات الصباح الأولى، كما تُعرف هذه البقعة، بأنها منطقة سكنية وتجارية في الوقت نفسه.
وللتاريخ وقفة في الجميزة ومار مخايل، حيث تلفت الأنظار المباني الملونة والأثرية الشاهدة على مرور الحضارات عليها.
لكن لم يكن أحد يتخيل للحظة، أن تصمت الموسيقى، ويتهجر السكان، ويهرب التاريخ من الشارعين النابضين بالحياة، إلا أن هذا ما حدث بعد انفجار المرفأ، حيث يعد هذان الشارعان من الأقرب جغرافيًا لموقع الانفجار.
خسائر الانفجار المادية
وصل امتداد موجة ودمار الانفجار على بعد حوالي 7 كيلومترات من مكان وقوعه، ملحقًا ضررًا ماديًا بحوالي 87 ألفًا و519 وحدة (توزعت بين وحدات سكنية، مؤسسات حكومية وتجارية، مطاعم ومقاهي، منشآت تعليمية، مستشفيات، فنادق، دور عبادة، مبانٍ أثرية وسيارات)، بحسب مسح للجيش اللبناني.
وقُدرت كلفة إعادة إعمار ما دمره التفجير بين 5 مليارات و15 مليار دولار، بحسب الخبراء.
أضرار بالجملة
روي الحايك، رجل ستيني، يملك متجرًا لبيع أسطوانات الموسيقى ومشتقاتها منذ 43 سنة، في الجميزة، تحدث عن اللحظات الأخيرة قبل الانفجار، وقال إنه أغلق متجره قبل 10 دقائق من الكارثة.
إلا أنه بعد الانفجار، عاد ليجد أن جنى عمره تدمر بالكامل، لا باب في المحل، الأسطوانات القديمة والبضائع متكسرة، خسر كل ما جمعه منذ عشرات السنوات، على حد قوله.
وعن التعويضات، رفع الحايك الصوت، قائلًا إن الدولة مقصرة مائة بالمائة، وإنه لم يتلقَ أي اتصال أو مساعدة من قبلها لإعادة إعمار ما دمرته الجريمة.
وقال: «تلقيت مساعدةً من الرجل السياسي الراحل مسعود الأشقر، ومن الصليب الأحمر اللبناني، ومن بعض الجمعيات (غير الحكومية)».
وحتى اليوم، لم يستطع الحايك استعادة كل ما خسره في محله، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به لبنان، والذي يحول دون قدرة الشعب على شراء مواد البناء التي ارتفعت أسعارها بفعل هبوط الليرة اللبنانية أمام الدولار.
وكانت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار مستقرة طوال أكثر من ربع قرن عند حدود 1510، إلا أنها اهتزت للمرة الأولى في ديسمبر 2019، وبدأت تتدهور تدريجيا حتى وصلت لحدود 23000 ليرة.
على غرار الحايك، هناك أحمد، الذي كان في زيارة لأهله إلى لبنان، وتواجد داخل سيارته في مار مخايل عند وقوع الانفجار.
سيارة أحمد تدمرت بالكامل بفعل الانفجار، بحسب قوله، مؤكدًا أن أحدًا لم يعرض عليه التعويض أو المساعدة.
وأشار للأناضول أنه هو من دفع كلفة إصلاح السيارة، رغم محاولاته التواصل مع المعنيين للحصول على المساعدة، إلا أنها باءت بالفشل.
جمعيات مدت يد العون
كما كل أبناء بيروت، خسرت مريم فارس دكاش، المتجر الذي كانت تجمع من خلاله قوتها اليومي.
مريم، التي وصفت شارع مار مخايل بالمهجور ليلًا، ذكرت أن بعض الجمعيات ساعدتها لترميم متجرها، منها من أصلحت لها الشبابيك والأبواب، ومنها من قدمت لها مكيفًا وكومبيوتر، من دون الإشارة إلى أي مساعدة تلقتها من قبل الدولة.
وكشفت للأناضول أن الكثير من أصحاب المتاجر لم يعاود عمله في الحي، لسبَبين: الأول أن الأضرار كبيرة جدًا، والسبب الثاني أن الإيجارات مرتفعة وبالدولار.
قصة مريم لا تختلف كثيرًا عن قصة غسان زيتون، الذي نجا بأعجوبة من الانفجار، بعدما أغلق متجره قبل دقائق فقط من الانفجار.
وقال غسان: «الجمعيات هي من ساعدتنا لإصلاح محلاتنا، فنحن لا قدرة لدينا على إصلاحها بسبب الوضع الاقتصادي الذي نمر به في لبنان».
وتحدث عن العامل النفسي الصعب الذي يمر به أصحاب هذه المناطق، مشيرًا أن الكثير من الأهالي خائفون من العودة لمنازلهم المدمرة.
وتمنى أن تظهر حقيقة من وراء الانفجار، وما هي أسبابه لكي لا تذهب دماء الضحايا هدرًا.
مبادرات من مغتربين
سهام تكيان، قصتها تشبه الكثير من قصص أبناء بيروت، والضرر عليها كان مضاعفًا، حيث تدمر منزلها ومتجرها المتواضع بالكامل.
كشفت سهام أن عناصر من الجيش اللبناني مسحت الأضرار لديها، إلا أنها إلى حد اليوم لم تتلقَ أي مساعدة.
وكان الجيش اللبناني قدم تعويضات مالية لإصلاح الوحدات السكنية الأكثر تضررًا، والمتوسطة الضرر في بيروت.
وعن كيفية قدرتها على إصلاح جزء مما تضرر في منزلها ومتجرها، قالت إن أصدقاء لها من خارج لبنان أرسلوا أموالًا لها، استعملتها لهذه الغاية.
وأكملت والدموع تملأ عيناها أن طالبَين في لندن (وهي كانت تدرس في إحدى مدارس بيروت)، قاما بجمع أموال من أصدقائهما في الجامعة، وأرسلاها لها. وأكدت أن لا أحد من المسؤولين اللبنانيين مد لها يد العون.
رواد مار مخايل والجميزة
في اليوم الثاني من انفجار مرفأ بيروت، بدأت الجمعيات (غير الحكومية) بمد يد المساعدة لمتضرري الكارثة، من خلال بدء إزالة الركام والدمار من الشوارع والمنازل، وتقديم دعم مادي أو معنوي.
الشابة باميلا قشوع، المتطوعة في جمعية «سبارك» (خاص)، عملت وفريق الجمعية لإعداد حصص غذائية وتقديمها للعائلات المتضررة.
وتحدثت قشوع عن اللحظات الأولى التي وصلت فيها إلى مار مخايل والجميزة، وقالت: «بعد وصولنا، كنا نشير إلى المطاعم والحانات ونستذكر اللحظات الجميلة التي كنا نقضيها فيها».
ووصفت المكان المدمر، الذي كانت تقضي فيه أجمل السهرات بـ«المبكي».
اليوم، وفي الذكرى الأولى لأقوى انفجار في عصرنا الحالي، لم تعد الحياة لشارعَي الجميزة ومار مخايل في بيروت كما كانت سابقًا، في ظل محاولات من أصحاب المقاهي والمحلات قدر الإمكان لإعادة ترميم ما خسروه بلحظة.
copy short url   نسخ
05/08/2021
82