+ A
A -
الدوحة - قنا - بعد شهور من الدبلوماسية خلف الكواليس، وفي إطار الجهود المبذولة لتحسين العلاقات بين شطري كوريا، استأنفت خطوط الاتصالات العسكرية الساخنة بينهما عملها الأسبوع الماضي، وذلك بعد ثلاثة عشر شهرا من التوقف، في مبادرة وضعت الطرفين من جديد عند نقطة البداية، لتحقيق الهدف النهائي وهو نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية.
واستغلت الكوريتان الذكرى الـ 68 لتوقيع هدنة الحرب الكورية للإعلان بشكل مشترك يوم الثلاثاء الماضي عن إعادة تنشيط قنوات الاتصال الرئيسية، بموجب اتفاق توصل إليه رئيس كوريا الجنوبية مون جيه إن والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، بعد تبادل سلسلة من الرسائل الشخصية، مما أثار الأمل بتطورات إيجابية جديدة في العلاقات بين الشطرين.
ويأتي استئناف العمل بخطوط الاتصال الساخنة وعددها نحو خمسين خطا بعد 413 يوماً على قطعها، من جانب بيونغ يانغ خلال يونيو من العام الماضي، احتجاجا على فشل سيئول في منع المنشقين الكوريين الشماليين من إرسال منشورات دعائية مناهضة لبيونغ يانغ من الجنوب بالبالونات عبر الحدود إلى كوريا الشمالية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يعيد فيها نظام بيونغ يانغ ربط خطوط الاتصال أو قطعها، فقد قطعها خلال مناسبات متعددة لمعاقبة الجنوب على ما أسماها «جرائمه الجسيمة ضد الوطن الأم»، لكن الخطوة الجديدة تشير هذه المرة إلى أن أجواء من التفاؤل تلوح بالأفق مع إمكانية الوصول إلى قائمة من الأهداف الطيبة بما في ذلك استئناف المفاوضات النووية، وعقد قمة رابعة بين رئيسي الشطرين.
وتقول تقارير الاستخبارات بكوريا الجنوبية إن عملية استعادة خطوط الاتصال الساخنة بين الشطرين، جاءت بناء على طلب من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، مضيفة أن هذه المبادرة تعكس توقعات الشمال بأن تلعب سيئول دوراً بإحياء العلاقات بين واشنطن وبيونغ يانغ مستقبلا، وكشفت المصادر ذاتها النقاب عن أن الشمال يطالب حاليا بالسماح له بتصدير المعادن، واستيراد النفط المكرر وغيره من ضروريات الحياة كمتطلبات مسبقة لإحياء الحوار مع واشنطن. وتعتقد المصادر ذاتها بأن التحذير الأخير من قبل كوريا الشمالية ضد التدريبات العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة قد يشير إلى استعداد الشمال لتعزيز وتطوير العلاقات بين الكوريتين مقابل وقف هذه المناورات، التي يفترض أن تجري بوقت لاحق من هذا الشهر، لكن وزارة الدفاع في سيئول أعلنت أن موعد وكيفية إجراء التدريبات لم يتقرر بعد. وترددت أنباء عن انقسام الحزب الحاكم بكوريا الجنوبية حول ما إذا كان يفضل التدريبات أو الدبلوماسية، حيث يرى بعض الأعضاء أن هذه المناورات خطوة لا غنى عنها للجيش الكوري الجنوبي، بينما طرحت بعض الأصوات الجنوبية فكرة تأجيل المناورات بالتنسيق مع واشنطن لصالح الخيارات والمبادرات الدبلوماسية مع الشمال.
وكانت كيم يو- جونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي قد حذرت مطلع هذا الأسبوع، من خطورة تلك المناورات، وقالت إنها قد تلقي بظلالها على مستقبل العلاقات بين الكوريتين، واعتبرتها مقدمة غير مرغوب فيها ومن شأنها أن تقوض بشكل خطير إرادة قيادتي الشطرين ورغبتهما بالتحرك نحو استعادة الثقة المتبادلة والتي تفتح الطريق أمام العلاقات بين الشمال والجنوب، وتستنكر كوريا الشمالية على الدوام هذه المناورات باعتبارها بروفة لغزو الشمال، بينما تؤكد سيئول وواشنطن أنها تدريبات دفاعية.
وعلى الرغم من ترحيبها بعودة الاتصالات العسكرية بين الشطرين، فقد أوضحت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لن يكون هناك تخفيف للعقوبات الدولية على نظام بيونغ يانغ في غياب تقدم جوهري نحو نزع السلاح النووي الكامل لكوريا الشمالية، كما يعتزم وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكين الدعوة إلى التنفيذ الكامل لعقوبات مجلس الأمن على كوريا الشمالية عندما يلتقي نظرائه بالدول العشر الأعضاء برابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، عبر لقاءات وفعاليات افتراضية هذا الأسبوع.
ويرى مراقبون في سيئول أن استعادة الخطوط الساخنة تمثل تحولا قد يكون مرتبطا بالألم الاقتصادي الذي تعاني منه كوريا الشمالية والناجم عن العقوبات الدولية الصارمة، وقيام تلك الدولة بإغلاق حدودها للحيلولة دون انتشار جائحة كورونا، وكذلك سلسلة من الفيضانات والأعاصير التي ضربت قطاعها الزراعي، وقال محللون صينيون: «إن بيونغ يانغ وافقت على استعادة الخطوط الساخنة للاتصالات لأنها تحتاج إلى مساعدات غذائية من الجنوب والصين المجاورة»، وأضافوا «أن إغلاق الحدود مع الصين يختبر حدود التزام الشمال بالاعتماد على الذات، حيث يساهم نقص الغذاء والكهرباء والسلع الحيوية بأزمة اقتصادية حادة بشكل متزايد».
وقد أظهرت بيانات اقتصادية أن التجارة السنوية لكوريا الشمالية تراجعت بنسبة هائلة بلغت أربعة وسبعين بالمائة عام 2020 مقارنة بالعام الذي سبقه، وانكمش اقتصادها بنسبة أربعة ونصف بالمائة، واتسعت الفوارق بين الكوريتين، حيث بلغ إجمالي الدخل القومي لكوريا الشمالية نحو ثلاثين مليار دولار، أو أقل بـ 56 مرة من الدخل في الشطر الجنوبي.
علاوة على ذلك، تشير التقارير الواردة من كوريا الشمالية إلى جفاف شديد هذا الصيف، حيث لم تتساقط عليها سوى ربع كمية الأمطار المعهودة بحلول منتصف يوليو الماضي، وهو ثاني أقل معدل خلال السنوات الأربعين الماضية، ومن المتوقع أن يتدهور وضع الأمن الغذائي هناك خلال الأشهر الأربعة المقبلة، وأن تواجه تلك الدولة نقصا بالغذاء يقدر بحوالي 860 ألف طن هذا العام، وهو أسوأ نقص من نوعه منذ أكثر من عقد.
ويشير مراقبون آسيويون إلى أن سعي كوريا الشمالية المتزامن للحصول على الأسلحة النووية والتنمية الاقتصادية معا أصبح بشكل متزايد بعيد المنال، وقالوا: «إن الشمال ليس لديه أي خيارات جيدة طالما بقي متمسكا بالردع النووي كضمان أمني أساسي له»، ويستبعد المراقبون أيضا أن يتخلى الشمال عن الخيار النووي مقدما، قبل أن يقتنع تماما بإمكانية ضمان أمنه بدون سيفه النووي.
ويضيف المراقبون أن الكرة باتت الآن في ملعب سيئول وواشنطن، وإن عليهما البحث عن استراتيجية جديدة للتعامل مع الشمال لدفع وإحياء الحوار النووي، وقالوا: «إن بيونغ يانغ ربما أرادت بخطواتها الأخيرة اختبار الأجواء والفرص مع فريق بايدن الجديد بواشنطن عبر سيئول».
copy short url   نسخ
04/08/2021
422