+ A
A -
طهران- وكالات - تسلم الرئيس الإيراني الجديد، إبراهيم رئيسي، أمس، «حكم التنصيب» للدورة الثالثة عشرة لرئاسة الجمهورية الإسلامية من المرشد الإيراني علي خامنئي، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية.
إبراهيم رئيسي هو ثامن رئيس منتخب لإيران منذ بداية الثورة، والذي سيتولى رسمياً رئاسة البلاد لمدة أربع سنوات بعد أن يؤدي اليمين الدستورية غدا أمام مجلس الشورى االإيراني، إثر فوزه بالانتخابات الرئاسية خلال شهر يونيو الماضي.
وقال إبراهيم رئيسي، خلال حفل تنصيبه رئيساً لإيران، أمس، إننا «أينما تغافلنا عن نصائح المرشد الأعلى والخط الثوري تعرضنا للمشاكل».
وأضاف رئيسي أن الانتخابات بثت اليأس بين أعداء إيران وجسدت سلطة الشعب، مشيراً إلى أن الشعب حاول إيصال العديد من الرسائل من خلال المشاركة بالانتخابات ومنها تأكيده على مكافحة الفساد والتمييز.
قال أيضاً إن «الشعب أراد تغيير الوضع الحالي من خلال المشاركة في الانتخابات»، وأضاف: «الوضع المعيشي للمواطنين ليس جيداً»، مشدداً على أنه «من الضروري إيجاد حلول للأزمات والمشكلات الاقتصادية».
وأكد إبراهيم رئيسي أيضاً أنه «إضافة إلى تضرر الوضع المعيشي، فإن ثقة المواطنين بالحكومة أيضاً متضررة، والحكومة الجديدة ستعمل على تغيير الوضع بناء على رؤية المرشد».
قال رئيسي إننا «سنعمل على رفع العقوبات عن إيران لكننا لا نربط الملفات الاقتصادية بالعقوبات»، وأكد أن «الصعوبات المعيشية والاقتصادية وجائحة كورونا ومشكلات المياه والخدمات هي من أبرز التحديات التي نواجهها».
لفت إبراهيم رئيسي إلى أننا «حددنا مكامن الخلل في مختلف المجالات ونعد المواطنين بالعمل على رفعها»، وقال: «سنغير الوضع الحالي من خلال الاعتماد على الطاقات الشبابية وتجارب الخبراء ونخب المجتمع».
خامنئي يتحدث عن «مؤامرة»
بدوره، قال المرشد الإيراني علي خامنئي في مراسم التنصيب إن «انتقال السلطة في إيران يتم بسلاسة ويعبر عن عقلانية الدولة وتنوع التيارات السياسية وحرية الرأي في إيران».
أضاف أن «الشعب واجه مؤامرة الأعداء لخفض نسبة المشاركة في الانتخابات من خلال حضوره الكثيف ونشكره على ذلك»، معتبراً أن «انتقال السلطة يبعث الأمل فهناك وجوه جديدة تأتي إلى الساحة وتتيح الفرصة خاصة للشباب كما تعطي الفرصة لذوي الخبرة أن يستفيدوا من دروس تجاربهم السابقة».
وشدد المرشد الإيراني على أن «الطريق الذي يوصل الشعب إلى بر الأمان هو التمسك بثوابت الثورة وقيمها»، معتبراً أن «مشاركة المواطنين وحضورهم في الساحة هو مفتاح حل المشاكل ولا بديل عنه». فيما شارك في المراسم بالإضافة إلى المرشد الأعلى، رؤساء السلطات الثلاث ورئيس مجلس صيانة الدستور ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام والرئيس السابق حسن روحاني مع عدد من وزراء حكومته المنتهية ولايتها، إلى جانب عدد من المسؤولين الحاليين والسابقين وقيادات عسكرية.
ماذا ينتظر الرئيس الإيراني الجديد؟
يتزامن تنصيب إبراهيم رئيسي مع استمرار تعثر المفاوضات النووية بين إيران والدول الغربية، فلقد تحوَّل مسؤولو إدارة بايدن إلى التشاؤم الحاد بشأن فرصهم في استعادة الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب؛ خوفاً من انطلاق الحكومة الإيرانية بسرعةٍ كبيرة في طريق البحث والإنتاج النوويَّين وإعداد مطالب جديدة من الولايات المتحدة، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
هذه المخاوف هي العكس من تلك التي كانت تساور المسؤولين الأميركيين قبل شهرٍ فقط، عندما اعتقد المفاوضون الأميركيون، استناداً بصورةٍ جزئية إلى تأكيداتٍ من الحكومة الإيرانية الراحلة، أنهم كانوا على وشك التوصُّل إلى اتفاقٍ قبل وصول إبراهيم رئيسي، 60 عاماً، وهو الرئيس السابق والمحافظ بشدة للسلطة القضائية الإيرانية، إلى السلطة.
وفي مراسم بثها التليفزيون الرسمي بشكل مباشر، تلا مدير مكتب المرشد نص مرسوم «حكم رئاسة الجمهورية»، وجاء فيه «بناء على خيار الشعب، أنصّب الرجل الحكيم السيد إبراهيم رئيسي رئيسا للجمهورية الإسلامية الإيرانية».
ويخلف رئيسي المعتدل حسن روحاني الذي شغل ولايتين متتاليتين في منصب الرئاسة (اعتبارا من 2013)، وشهد عهده سياسة انفتاح نسبي على الغرب، كانت أبرز محطاتها إبرام اتفاق فيينا 2015 بشأن البرنامج النووي مع ست قوى كبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، وألمانيا).
وشهدت انتخابات يونيو شهدت نسبة مشاركة كانت الأدنى في اقتراع رئاسي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979.
ونال رئيسي نحو 62 بالمائة من الأصوات في الدورة الأولى للانتخابات التي خاضها بغياب أي منافس جدي بعد استبعاد ترشيحات شخصيات بارزة.
أمل بالمستقبل
ومن المتوقع أن يتيح توليه رئاسة الجمهورية، وتاليا السلطة التنفيذية، للتيار السياسي المحافظ بتعزيز نفوذه في هيئات الحكم، بعد الفوز الذي حققه في الانتخابات التشريعية لعام 2020.
وأبدى رئيسي في تصريحات أوردها مكتبه قبل أيام، «أملا كبيرا بمستقبل البلاد»، مشددا على أنه «من الممكن والمتاح تخطي الصعوبات والقيود الحالية».
وستكون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العائدة بشكل أساسي للعقوبات، والتي زادت من تبعاتها جائحة كوفيد 19، المهمة الأولى لرئيسي الذي رفع خلال انتخابات 2021، كما في 2017 حين خسر أمام روحاني، شعارَي الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد.
ويقول الباحث في المعهد الجامعي الأوروبي في إيطاليا كليمان تيرم لوكالة فرانس برس، إن هدف رئيسي الأساسي «سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المجاورة»، عبر «تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية»، ويعزز تبادلاتها مع الجوار وروسيا والصين.
مسار مختلف عن روحاني
وشهدت إيران خلال الأعوام الماضية، لا سيما شتاء 2017-2018 ونوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
كما شهدت محافظة خوزستان (جنوب غرب) احتجاجات خلال يوليو، على خلفية شح المياه. وترافق ذلك مع انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى، تعزوها السلطات لأسباب منها زيادة الطلب ونقص الموارد المائية لتوليد الطاقة.
وغالبا ما وجّه المحافظون المتشددون الذين ينظرون بعين الريبة إلى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مرارا بالتركيز على الجهود المحلية للحد من آثار العقوبات.
وفي كلمة خلال الاجتماع الأخير لحكومته الأحد، دافع روحاني عن سجل حكومته، معتبرا أن «ما قمنا به أتى في ظل وضع صعب نتيجة الحرب الاقتصادية (العقوبات) وفيروس كورونا، وهذا العام، أضيف إليهما الجفاف».
ويرى الاقتصادي الإصلاحي سعيد ليلاز المقرب من الرئيس المنتهية ولايته، أن روحاني كان «مثاليا» في علاقته مع الغرب، واعتقد أنها ستتيح «حل كل مشاكل البلاد سريعا في الأمد القريب»، مرجحا أن يعتمد رئيسي مسارا مختلفا.
وأكد رئيسي بعد انتخابه أن أولوية سياسته الخارجية هي العلاقات مع دول الجوار.
وهو سيتولى منصبه بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق النووي من خلال تسوية ترفع العقوبات الأميركية وتعيد واشنطن إليه، في مقابل عودة إيران لالتزام تعهدات نووية تراجعت عن تنفيذها بعد انسحاب واشنطن.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تولى مهامه خلفا لترامب مطلع 2021 أبدى استعداده للعودة إلى الاتفاق.
وأجريت ست جولات مباحثات في فيينا بين أبريل ويونيو. وأكد مسؤولون إيرانيون أن التفاوض لن يستكمل قبل تولي رئيسي منصبه.
وأكد خامنئي الذي تعود إليه الكلمة الفصل في السياسات العليا للبلاد الأسبوع الماضي أن تجربة حكومة روحاني أثبتت أن «الثقة بالغرب لا تنفع».
وسبق لرئيسي الذي يعد مقربا من خامنئي، التأكيد أنه سيدعم المباحثات التي تحقق «نتائج» للشعب، لكنه لن يسمح بـ«مفاوضات لمجرد التفاوض».
وفي توتر إضافي مع الغرب، تواجه إيران اتهامات من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، بالوقوف خلف هجوم طال ناقلة نفط يشغّلها رجل أعمال إسرائيلي في بحر العرب الخميس الماضي، أدى لمقتل اثنين من طاقمها.
وبينما أكدت واشنطن أنها «تنسق مع دول المنطقة وخارجها للتوصل إلى رد مناسب ووشيك»، نفت طهران الاتهامات، محذّرة من أنها سترد على أي «مغامرة» بحقها على خلفية هذه المسألة.
محافظ متشدد
ابراهيم رئيسي رجل دين محافظ ومتشدّد، يرفع شعار الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد.
ويعد حجة الإسلام رئيسي (60 عاما) الذي كان يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019، من المدافعين عن «النظام العام» ولو بالوسائل الصارمة.
ولد في مدينة مشهد (شمال شرق) في نوفمبر 1960، وبدأ بتولي مناصب عامة في سن مبكرة، إذ عيّن مدعيا عاما في مدينة كرج قرب طهران وهو لما يزل في العشرين من العمر، وذلك بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
أمضى رجل الدين الشيعي ذو العمامة السوداء، قرابة ثلاثة عقود في هيكلية السلطة القضائية للجمهورية الإسلامية، متنقلا بين مناصب عدة منها مدعي عام طهران بين 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة القضائية اعتبارا من 2004 حتى 2014 حين تم تعيينه مدعيا عاما للبلاد.
في 2016، أوكل إليه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي مهمة سادن العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد، وعيّنه بعد ثلاثة أعوام على رأس السلطة القضائية، أحد الأركان الأساسية للنظام السياسي.
تلميذ المرشد
ويعمل رئيسي الذي يرى منتقدوه أنه يفتقر إلى الكاريزما، بوحي الدروس الدينية والفقهية لخامنئي.
وفق سيرته الذاتية الرسمية، درّس رئيسي الذي يعرف بردائه الديني ونظارتين رفيعتين ولحية مشذبة غزاها الشيب، مواد فقهية ودينية في الحوزات العلمية اعتبارا من العام 2018، خصوصا في مدينة مشهد، مسقط رأسه.
وتطرح وسائل إعلام إيرانية عدة اسمه كخلف محتمل للمرشد الأعلى خامنئي الذي أتمّ الثانية والثمانين من العمر.
ورئيسي عضو أيضا في مجلس الخبراء الذي تعود إليه صلاحية تسمية المرشد.
متزوج من جميله علم الهدى، أستاذة علوم التربية في جامعة شهيد بهشتي بطهران، ولهما ابنتان تحملان شهادات في الدراسات العليا. جعله هذا الارتباط العائلي نسيبا لحجة الإسلام أحمد علم الهدى، إمام الجمعة وممثل المرشد الأعلى في مشهد، ثاني أكبر مدن إيران، وإحدى المدن المقدسة لدى الشيعة لاحتضانها مرقد الإمام الرضا.
ينظر إلى رئيسي بين المحافظين على أنه الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد المحافظين والمحافظين المتشددين «الأصوليين» على اختلافاتهم.
لكن رئيسي يدرك أن الحصول على إجماع أو تأييد واسع بين مختلف شرائح المجتمع الإيراني بكل تنوعه، أصعب، خصوصا في ظل الانقسام حول مسائل عدة أهمها الحريات الشخصية.
وفي ظل خيبة أمل من عدم إيفاء عهد روحاني (2013-2021) بوعوده على هذا الصعيد، تعهّد رئيسي الدفاع عن «حرية التعبير» و«الحقوق الأساسية لكل المواطنين الإيرانيين» و«الشفافية».
في مواجهة «الفتنة»
لكن وعودا كهذه لا تجد صدى لدى المعتدلين والإصلاحيين الذين يعتبرون أن رئيسي تنقصه الخبرة السياسية.
وشدّد رئيسي خلال حملته على نيته «تشكيل حكومة من الشعب من أجل إيران قوية»، والقضاء على «أوكار الفساد».
وهو يستند في ذلك إلى العمل الذي قام به خلال توليه السلطة القضائية. فقد حصلت في عهده محاكمات كثيرة حظيت بإضاءة واسعة من وسائل الإعلام، بحق مسؤولين بارزين على خلفية تهم بالفساد. وطالت الإجراءات قضاة أيضا يشتبه بضلوعهم في ملفات مماثلة، وهو أمر لم يكن معهودا سابقا في إيران.
copy short url   نسخ
04/08/2021
169