+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الشورى من مبادئ الإسلام السمحة في نظام الحكم، والنبي صلى الله عليه وسلم شاور المؤمنين ليطيب بذلك قلوبهم وليشجعهم على المضي في نشر الدين والدعوة إلى الله عز وجل؛ فالشورى اسم للمشاورة، وكلاهما مأخوذ من مادة (ش ور) التي تدل على أخذ شيء من شيء، وقال بعض أهل اللغة: من هذا الباب شاورت فلانا في أمري، وهو مشتق من شور العسل وكأن المستشير يأخذ الرأي من غيره، يقال: شاوره في الأمر مشاورة. طلب منه المشورة. وأشار به: عرفه. وأشار إليه وعليه بيده وبعينه وبحاجبه: أومأ. وأشار عليه بكذا: أمره وارتآه له، وبين له وجه المصلحة، ودله على الصواب. وفي المصباح: أشار في كذا (أي جعل التعدية ب (في) لا بالباء. واستشرته راجعته لأرى رأيه، فأشار علي بكذا أي أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارته حسنة. والاسم: المشورة. والشورى: اسم من أشار عليه بكذا، بمعنى استخراج الرأي. ومنه أهل المشورة ومجلس الشورى، وهي مصدر بمعنى التشاور. والمشورة: استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئية التي يتردد المرء فيها بين فعلها وتركها.
فآيات الشورى فيها على سبيل الأمر، قال تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، وآيات الشورى فيها وصف للمؤمنين، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ).
وقد اشترطوا لأهلية المستشار شروطا خمسة: عقل كامل مع تجربة سالفة، قال أبو الأسود الدؤلي:
وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه..
ولا كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب..
فحق له من طاعة بنصيب
وأن يكون ذا دين وتقى: فقد ورد في الأثر عن ابن عباس- رضي الله عنهما-: من أراد أمرا فشاور فيه امرءا مسلما وفقه الله لأرشد أموره. وأن يكون ناصحا ودودا، فإن النصح والمودة يصدقان الفكرة ويمحضان الرأي.
وأن يكون سليم الفكر من هم قاطع، وغم شاغل، فإن من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر. وألا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، ولا هوى يساعده، فإن الأغراض جاذبة والهوى صاد، والرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد.
ولقد مدح الله المؤمنين بانتهاجهم مبدأ الشورى بينهم، فالشورى: تبعث في الناس حب التعاون مع المسؤولين وتشجعهم على تحمل مسؤولياتهم أمام مجتمعهم.
وشورى- ما يدعونه- الديمقراطية تعتمد رأي الأكثرية مهما كان شأنها، وشورى الإسلام تعتمد رأي العلماء الأتقياء المخلصين من رجال الأمة.
كذلك الشورى والتشاور كما تكون في الأمور العامة بين الحاكم والمحكومين تكون أيضا في الأمور الخاصة بين أفراد الأسرة في المجتمع، إذا وردت النصوص الواضحة في المسألة فلا مشورة بعدها، ولا يستشار إلا من عرف بالأمانة والإخلاص والعلم، ومن استشاره أخوه المسلم، فعليه أن ينصحه فيما يعلم.
copy short url   نسخ
03/08/2021
1432