+ A
A -
لم يكن مشهد موافقة بطلنا معتز برشم على تقاسم الميدالية الذهبية مع منافسه الإيطالي جيانماركو تامبيري، في منافسات الوثب العالي بدورة الألعاب الأولمبية «طوكيو 2020»، دون لعب مباراة فاصلة، اللقطة الأجمل في دورة الألعاب الأولمبية الحالية في اليابان فحسب، بل تعد واحدة من أجل القصص الرياضية على الإطلاق.
القصة لم تبدأ كما يظن البعض من تشجيع كل منهما للآخر في النهائي أمس، لكنها تعود إلى عام 2016، عندما وقف البطل إلى جانب منافسه الإيطالي في أزمته التي كادت أن تنهي مسيرته، حيث تعرض لإصابة هددت استمراره في منافسات الوثب العالي، فقد تعرض لكسر في كاحله في لقاء الدوري الماسي في موناكو، وقد أمضى عامًا في التعافي وبناء قوته قبل أن يعود في يونيو 2017، لكن ثقته تراجعت بعد أسبوع واحد فقط عندما فشل في تجاوز ارتفاعه الافتتاحي في لقاء باريس الماسي.
ويتذكر البطل الإيطالي تلك الفترة ويقول عنها: «أتذكر عندما ذهبت من أوسترافا إلى باريس، وكان أدائي سيئًا، بل فظيعًا حقًا، وكنت أشعر بالإحباط، لأنني لم أكن أعرف ما إذا كنت سأعود إلى المستوى الذي كنت عليه في عام 2016 أم لا، لكن ما حدث بعد ذلك كان مثيراً للاهتمام بفضل البطل معتز برشم».
وكتب تامبيري مقالاً في موقع الاتحاد الدولي لألعاب القوى تحت عنوان «صديقي معتز» قال فيه «كان الأمر محبطًا للغاية في ذلك الدوري الماسي الأول بعد عودتي من الإصابة، لكنني لم أرغب في التحدث إلى أحد. لقد ذهبت مباشرة إلى غرفتي، وفي اليوم التالي، بدأ معتز يطرق على غرفتي ولم يرحل، في البداية كنت أريده أن يغادر، لكنه أصر وقال لي من فضلك أريد أن أتحدث معك، لذلك استسلمت وتركته يدخل، وتحدثنا، وبكيت أمامه، حاول تهدئتي، وقال لي: لا تتعجل الأمر، لقد تعرضت لإصابة كبيرة لكنك عدت بالفعل إلى الدوري الماسي، ولم يكن أحد يتوقع ذلك، وعليك أن تأخذ وقتك، فلا تتوقع الكثير من نفسك في وقت مبكر جدًا، فقط انتظر ماذا سيحدث».
ووفقًا لما ذكره البطل الإيطالي، فإن برشم جعله يقتنع أنه ليس لديه ما يثبته لأي شخص سوى نفسه.
يقول تامبيري: «أهم شيء ساعدني برشم في إدراكه، أنه كان يجب أن أفعل ذلك لنفسي، وليس للآخرين».
يضيف «تلقيت الكثير من الدعم من الناس، والكثير من الأشخاص الذين التقيت بهم في الشارع كانوا يضعون أيديهم على كتفي، أو يعانقونني ويخبرونني أنهم يعرفون أنني سأعود وأنهم يؤمنون بي، لذلك بدأت الموسم أفكر في أنني أفعل ذلك من أجلهم وليس من أجلي. كنت أضغط على نفسي، وشعرت أنني يجب أن أقفز من أجل الأشخاص الذين ساعدوني، لكن معتز قال لي: لا تقفز من أجله، عليك أن تقفز من أجل نفسك، وقال لي أيضاً أنت تفعل الكثير، أعلم أنك تعمل بجد، أنت تعمل كل يوم، كل صباح وبعد الظهر، لكن ليس من السهل العودة من إصابة كهذه، فقط افعلها لنفسك».
ونجح برشم في الفوز باللقب في باريس واحتل تامبري مركزا متأخرا في أسفل الترتيب، لكنه لم ينس نصيحة معتز التي ساعدته على تعزيز ثقته بنفسه، وشارك في منافسات بودابست دون أن يخبر أحدا لأنه أراد أن يطبق نصيحة برشم ويقفز لنفسه وليس لأجل أي شخص.
يقول «كانت أفضل مسابقة لي في ذلك العام، فقد تغير شيء ما بداخلي، وبدأت بالفعل في العيش مرة أخرى».
ذلك الامتنان لمعتز برشم دونه البطل الإيطالي في مقال تناقلته صحف العالم، لكن ما حدث أمس في طوكيو2020 كان ملهماً للغاية، بل وصل أن طالب البعض بتحويل ذلك إلى عمل سينمائي يعكس أخلاق الفرسان التي يتمتع بها معتز برشم، فقد انتشل منافسه من أهم أزمات حياته ووضعه إلى جانبه فوق منصة التتويج بعد عدة سنوات متوجاً بالذهب الأولمبي، ولعل صرخات السعادة التي خرجت من تامبيري والعناق الطويل لبطلنا معتز برشم، والامتنان الممتد أمام وخلف الشاشات دليل واضح على معنى الروح والأخلاق الرياضية النبيلة التي يتمتع بها الصقر الذهبي، وستبقى تلك الواقعة بمثابة حدث تاريخي ومضرب للأمثال في تاريخ الرياضة العالمية.
copy short url   نسخ
02/08/2021
429