+ A
A -
تتجه الأنظار إلى الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، حيث بدأت الاستعدادات تكتمل لإحياء هذا اليوم الحزين في لبنان، على وقع استمرار المشاورات الحكومية ولو بعيداً عن الأضواء، بانتظار ما قد يحمله الاجتماع المرتقب اليوم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي.
وبدا واضحاً أن منسوب التفاؤل بتأليف الحكومة سجّل تراجعاً كبيراً غداة الاجتماع الثالث بين الرجلين بعدما بدأت تظهر بوادر التعقيدات القديمة - الجديدة التي اعترضت طريق الرئيس سعد الحريري ودفعته إلى الاعتذار، في حين أن البلاد تشهد مفارقات مذهلة عشية ذكرى 4 أغسطس من أبرزها تفاعلات ملف رفع الحصانات عن جميع المسؤولين والموظفين، الأمر الذي حركته بقوة العريضة التي تستجمع «كتلة المستقبل» الموافقات عليها والمتصلة باقتراح تعليق كل النصوص القانونية والدستورية المتعلقة بالحصانات بما يرفعها تلقائياً.
اتصالات بعيدة عن الأضواء
وفي المعلومات أن الاتصالات تجري بعيداً عن الأضواء لخلطة شاملة بدءاً من عدد الوزراء إلى إعادة توزيع الحقائب السيادية، والحقائب المتعلقة بالإصلاحات، بدءاً من الكهرباء إلى الاتصالات، وسيشهد مطلع هذا الأسبوع تزخيما أكبر لاسيما لبت نقاط تحتاج إلى تفاهم في مناخ سليم قائم على مبادئ التشكيل.
وقالت المصادر إن الملف الحكومي في الأصل قطع أشواطا لا بأس بها وإن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف يبحثان نقطة تلو الأخرى، ونفت أن يكون البحث تناول نقاطا تعد خلافية، وهذا لا يعني أنه لن تكون هناك ليونة ما.
ورأت أن الجلسات بينهما ستتواصل وإن الفسحة ما قبل اجتماعهما المقبل ستعطي مجالا أمام جوجلة الملاحظات على أن الأجواء لا تزال جيدة.
ولم تنفِ مصادر متابعة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة حصول تعثر بمسار المشاورات الجارية بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية ميشال عون لتشكيل الحكومة الجديدة، إلا أنها وصفت ما يحصل بالأمر المتوقع عادة، وليس مستغربا، لا سيما في الظروف المتشنجة التي يمر بها لبنان وبعد أكثر من محاولة لتشكيل الحكومة منذ قرابة العام، لم يكتب لها النجاح. وأشارت المصادر إلى أن سبب تحديد اليوم الاثنين، موعدا لمواصلة البحث بالتشكيلة الوزارية، هو لإتاحة المجال لتجاوز التباينات القائمة، لا سيما منها المتعلقة بتوزيع الحقائب السيادية على الطوائف الأساسية، وبعض الحقائب الوازنة الأخرى ومنها الطاقة على وجه الخصوص. ولم تستبعد أن يعاد النظر في توزيع الحقائب الوزارية السيادية عما هو معمول به حاليا، في حال تم التنازل عن تخصيص وزارة المال للشيعة، لافتة إلى اتصالات مكثفة وجهود يتولاها رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع حزب الله والأطراف الأخرى لحل هذه المشكلة، إلا أنها لم تصل إلى خواتيم سعيدة بعد. وأوضحت المصادر أن اجتماع الاثنين بين عون وميقاتي سيستكمل توزيع الوزارات السيادية والمهمة على الطوائف.
وفي هذا الإطار، لفتت صحيفة «البناء» اللبنانية إلى أن وجود مساع للوساطة ستبدأ بالظهور من طرف حزب الله والرئاسة الفرنسية لتذليل العقبات وتقريب المواقف، وقالت المصادر إن إحدى الأفكار المتداولة هي البحث عن شخصيات وازنة معنوياً لها باع سياسي ومن أصحاب الاختصاص تشارك في الحكومة، لتشكل كتلة الترجيح في الحكومة، بحيث لا تتشكل أغلبية حكومية لرئيس الحكومة ولا ثلث معطلاً لرئيس الجمهورية من دونها، وتناط بهؤلاء الوزراء الوزارات الحساسة موضوع التجاذب وتكون هذه الكتلة بتعداد ما بين ثلاثة إلى أربعة وزراء متعددة طائفيا أو على الأقل موزعة بين طائفتي الرئيسين.
واستبعدت المصادر عبر صحيفة «اللواء» إنجاز إسقاط أسماء الوزراء المقترحين على الحقائب الوزارية، لأن هذه الخطوة ما تزال تتطلب مزيدا من التشاور بخصوصها، وتحديدا ما يتعلق بوزارتي الداخلية والعدل، مشيرة إلى أن كل ما يتم تداوله من أسماء لتولي هاتين الوزارتين إنما هو من باب التكهنات حتى الآن، في حين أن إمكانية اختيار إحدى الشخصيات المحايدة والمشهود لها لتتولى وزارة الداخلية كحل وسط، في ضوء الخلاف الحاصل، كالوزير السابق زياد بارود، خيار ممكن.
وذكرت «اللواء» أن الرئيس ميقاتي سيقدم اليوم إلى عون على الأرجح صيغة أولية للحكومة للوقوف على رأيه فيها، وهو باشر اتصالات مع القوى السياسية للوقوف على رأيها في توزيع الحقائب واختيار بعض الأسماء لها. وأبدت مصادر متابعة ارتياحها للتفاهم القائم حتى الآن بين الرئيسين، لكنها قالت إن الصورة الحقيقية تتوضح اليوم وما بعده.
العقوبات الأوروبية
وعلى صعيد الضغوطات الدولية، وصفت مصادر ديبلوماسية غربية إعلان إطار العقوبات الأوروبية في هذا الظرف بالذات بأنه يهدف إلى التأكيد على أن الاتحاد الأوروبي مستمر في ممارسة أقسى الضغوط اللازمة وخصوصا على السياسيين والأطراف التي تمعن في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة وتتجاهل حاجة اللبنانيين الملحة لقيام حكومة تتولى المباشرة بحل الأزمة المالية والاقتصادية التي يواجهها لبنان.
ولفتت المصادر إلى أن الإعلان عن وضع اتفاق الإطار الذي يحدد العقوبات والإجراءات التي ستفرض على كل من تثبت مسؤوليته عن تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، مباشرة أو بشكل غير مباشر، ستطاله العقوبات. إلا أن المصادر المذكورة شددت أيضا على أن هناك حزمة من الحوافز ستقدم إلى لبنان في حال تم تأليف الحكومة العتيدة، ولم تلاق مساعي التشكيل سلسلة العراقيل التي أثيرت عمدا لتعطيل مهمة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري.
وفي هذا المجال، نقلت أوساط مطلعة على الإجراءات الأوروبية أن إنجاز «نظام العقوبات اللبناني» ووضع الإطار القانوني اللازم له يشكل «الحجر الأساس» استعداداً للدخول في «مرحلة إسقاط الأسماء على قائمة المعاقبين» خلال الفترة المقبلة.. إذا استمر التعطيل مستحكماً في عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة.
وعليه، فإن هناك العشرات من السياسيين، بينهم مسؤولون بارزون، ستطالهم العقوبات المرتقبة، ولكنها توقعت أن يكون عددهم أكبر مما هو متوقع، إلا أنها رفضت الخوض في أسمائهم أو مواقعهم التي يشغلونها حاليا. وعن كيفية تحديد هؤلاء السياسيين والمسؤولين الذين ستشملهم العقوبات، أشارت المصادر إلى أكثر من وسيلة تم اعتمادها لتحديد هؤلاء بدقة متناهية، بينها من خلال تقارير السفارات المعتمده تحديدا.
وذكرت المحللة اللبنانية جويل بو يونس في صحيفة «الديار» أنه في إطار الحديث عن الحقائب السيادية التي لا تزال عالقة، مع أمّ العقد «الداخلية»، تكشف أوساط مطلعة على جو اجتماعات عون - ميقاتي أن رئيس الجمهورية طلب مداورة بالحقائب، وهو ينطلق من مطلبه هذا من قاعدة وسؤال مفاده: لماذا أريد تسليم مرفق أمني إداري قضائي انتخابي لطائفة واحدة؟ والمقصود هنا أن تكون الداخلية والعدل من حصة السنة كما هو الحال بتوزيعة ميقاتي التي قدمها أخيرا، وتقول الأوساط: «الطوائف تمثل بصورة عادلة عند تأليف الحكومة وهذا النص الدستوري».
وتكشف الأوساط البارزة أن رئيس الجمهورية طلب من ميقاتي ألا يأخذ بآخر تشكيلة قدمها الحريري، لأنها تشكيلة اعتذار، لا سيما أن الحريري عاد فيها عن كل ما كان اتفق عليه سابقا لجهة مبادرة الرئيس بري والمداورة بالحقائب، وشدد عون على وجوب الذهاب باتجاه التوزيعة المبدئية التي عليها تفاهم عريض وتوازن بالتوزيع «وساعتا بيمشي الحال»، فوعد ميقاتي بالعودة بتصور معين بهذا الموضوع.
وفي المقابل، تشير مصادر مطلعة على جو 8 آذار إلى أن ميقاتي أبلغ الرئيس عون منذ بداية الطريق بأنه يجب أن يأخذ بالاعتبار أنه ملتزم بما اتفقت عليه الجهة التي سمته أي رؤساء الحكومات السابقين، ولا يمكن التنازل عن هذا السقف، لكن بالتأكيد يمكن «أن ندوّر الزوايا»، مشيرة إلى أن النقاش الذي انطلق من حقيبة الداخلية» التي هي أساس العقد وربطها بحقيبة العدل هو أصلا أساس الخلاف الذي انطلق بالنقاشات مع الحريري، وبعدها برزت عقدة الـ 3 ثمانيات ثم تسمية الوزيرين المسيحيين ومن ثم إعطاء الثقة، وبالتالي يبدو أن العقد تشكل المسار نفسه الذي كانت تسلكه أيام الحريري، في إشارة إلى أن العقد الأخرى قد تظهر بعد عقدة الداخلية.
أما صحيفة «الأخبار»، فذكرت أن التعامل بين عون وميقاتي، ومن خلفهما رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، يوحي في الظاهر بأنّ مسار التشكيل إيجابي، ولن تكون هناك شروطٌ تمنع التأليف. ولكن عملياً يقول مسؤولون سياسيون: «ما زلنا نحتاج إلى أيام حتى يظهر المسار الذي على أساسه تسير المشاورات، يعني وجود نية وجدية بالانتهاء من الحكومة، أو المزيد من إهدار الوقت». والأهم من الاختلافات حول طريقة توزيع المقاعد الوزارية وتقسيمها على القوى، هو في «أن يحسم فريقا العهد والرئيس المُكلّف قواعد تشكيل الحكومة وتوزيع المسؤوليات بينهما».
المرحلة الأولى من بعد تسمية ميقاتي انتهت، وهي تبادل الأوراق بينه وبين رئيس الجمهورية حول توزيع المقاعد الوزارية. أُقفلت هذه الصفحة على خلاف يتعلّق بوزارتَي الداخلية والعدل، أقلّه هذه المُشكلة العلنية. واليوم مُفترض أن يبدأ التشاور بالأسماء وتوزيعها على الحقائب. وينقل الذين يتواصلون مع ميقاتي عنه وجود «إشارات إيجابية، ولكنّ حقيبتَي الداخلية والعدل ستكونان محلّ نقاش ووساطات»، مع الحديث عن دور قد يقوم به كلّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي وحزب الله في هذا الإطار. والأرجح أن يتمّ تأجيل الحسم بما يخصهما إلى ما بعد إنجاز التركيبة الحكومية. وبحسب التصوّر الأولي، سيتم تقسيم الـ 24 حقيبة على الطوائف وفق: 5 لكلّ من الموارنة والشيعة والسنّة، 3 للأرثوذكس، 2 لكلّ من الكاثوليك والدروز، حقيبة للأقليات وحقيبة للأرمن. ثنائي حزب الله - حركة أمل اتفق على تسمية أربعة وزراء، إضافة إلى الوزير الخامس، وهو يوسف خليل لوزارة المالية.
ويجري التفاهم بين حزب الله وحركة أمل على اسم لتولي حقيبة مثل الزراعة أو البيئة أو الثقافة، مع استعداد «الحزب» لمقايضة وزارة الصحة بحقيبة خدماتية مثل الأشغال أو الطاقة أو الاتصالات. من جانبه، اتفق ميقاتي مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط على اسم الوزير الذي سيطرحه، على أن يكون الوزير الدرزي الثاني من حصّة النائب طلال أرسلان بموافقة الوزير السابق وئام وهاب. أما الحريري، فالمعلومات تُشير إلى اتفاق بينه وبين ميقاتي على الحصة التي سيحصل عليها وكيفية توزّع الوزراء بين بيروت والمناطق. هذه المعطيات تدفع من يتواصل مع ميقاتي إلى نقل «تفاؤله»، واعتباره أنّ التشكيلة «كاملة ستكون جاهزة قبل نهاية الأسبوع»، مُحافظاً على حذره من باسيل. وقد نقل حلفاء الرئيس ميشال عون إليه قول ميقاتي إنّ «باسيل قد يكون يريد تعطيل المهمة»، وردّ الرئيس بأنه «جدّي في تشكيل الحكومة ودورها الأول -بالنسبة إليّ- هو إجراء التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وأنا أضمن أنه سيتم متابعة التحقيق في جريمة المرفأ من دون تدخلات جانبية، وستكون الحكومة قادرة على اتخاذ خطوات تحدّ من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ولا أمانع في أي تركيبة من شأنها تسهيل التواصل مع العرب والأجانب». وأضاف عون أنه يريد «حكومة موثوقة من الجميع»، ويطلب تعيين أشخاص «جدّيين وموثوقين».. وفي ما خصّ المداورة في الحقائب، لا يُمانع عون في ذلك، «لكنّه يقبل بتوافق بين الطوائف على ست حقائب، هي: الخارجية والداخلية والدفاع والمالية، إضافةً إلى الطاقة والعدل». رئيس الجمهورية يطلب الحصول على الداخلية، «من دون التمسك بأن يكون الوزير مارونياً، كأن يُختار من الطائفة الأرثوذكسية ويُعيّن أيضاً نائباً لرئيس الحكومة، مع استعداده للتشاور في اسم شخصية لا تستفز أحداً وتكون محايدة». وفي المقابل، لا يُمانع عون في «تعيين أحد أبناء الطائفة السنية لوزارة العدل»، ويعتبر عون أنّ «استعداده الكبير للتعاون لا يعني قبول إحراجه بقصد إظهاره منكسراً، لذلك مقابل تثبيت المالية لبرّي يريد حقيبة الداخلية».
copy short url   نسخ
02/08/2021
123