+ A
A -
عاد رئيس الحكومة اللبناني المكلف سعد الحريري إلى بيروت وعادت معه علامات الاستفهام والترقب حول ما إذا كان سيعتذر أو سيبقي قبضته مُحكمة على ورقة التكليف، مقابل إحكام قبضة كل من رئيس الجمهورية وصهره على ورقة التأليف... أسئلة كثيرة تنتظر إجابات حاسمة في الأيام المقبلة، لكنّ الأكيد أنّ كل المؤشرات لا تزال تشي حتى الساعة بأنّ حبل التعطيل ما زال «على الجّرار» ولم يبلغ مداه بعد.
ورأت مصادر مواكبة للملف الحكومي أنّ «حسابات الاعتذار من عدمه لم تعد مرتبطة بحسابات الرئيس المكلف الشخصية إنما باتت متصلة بسلسلة من الخيوط والخطوط العريضة المتشابكة سياسياً وطائفياً»، كاشفةً أنّ «الحريري على المستوى الشخصي يميل إلى الاعتذار، لأنّ المراوحة القائمة تجعل منه شريكاً في التعطيل مع رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، لكنه في الوقت عينه يتعامل مع المسألة من منطلقات متشعّبة غير محصورة برغبته الشخصية،
فهو لا يستطيع القفز فوق تمنيات المجلس الشرعي الأعلى ورؤساء الحكومات السابقين بعدم الاعتذار، ولا تجاهل رغبة حليفه الأوحد نبيه بري بعدم الإقدام على هذه الخطوة».
أجواء الحكومة يسودها «التشاؤل»..
وعلى هذا الأساس، تتجه الأنظار إلى مفاعيل استئناف التشاور المباشر مع بري بعد عودة الحريري إلى بيروت لتحديد مسار الأزمة حكومياً، وتحرص أوساط مقربة من عين التينة على إشاعة أجواء تفاؤلية بإمكانية إحداث كوة في جدار الأزمة في القابل من الأيام، من دون أن توضح معالم وآفاق هذه الحلحلة المرتقبة، مكتفيةً بالإشارة إلى أنّ «الأمور وإن كانت لا تزال تراوح في دائرة السلبية حتى الساعة، لكنّ التعويل يبقى على أنّ الجميع بات يستشعر عدم القدرة على إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه من دوران في حلقات مفرغة».
ولفتت الأوساط في هذا السياق إلى أنّ «بري يتمسك بتكليف الحريري لأنه الأقدر على ترؤس الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة، وبالتالي فهو سيبقى رافضاً مبدأ اعتذاره عن عدم التأليف إلا في حال سمى الحريري نفسه شخصية سنية أخرى وتبناها لتشكيل الحكومة، فضلاً عن وجوب الاتفاق مسبقاً بين سائر الأطراف على تسهيل طريق التكليف والتأليف، والتعهد سلفاً بمنع اجترار مشهد وضع العقبات والعراقيل نفسه أمام عملية التشكيل». صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية كتبت تقول: يمكن اعتبار لقاء الحريري مع رئيس مجلس النواب نبيه بري مفصلياً بخاصة وان رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، غادر المشهد الحكومي في اعقاب تفويض أمره حكومياً لأمين عام «حزب الله» حسن نصرالله. ولذا فهو ينتظر ما سيخرج به «حزب الله» من نتائج لمساعيه باتجاه الرئيس المكلف والذي ينتظر بدوره حصيلة زيارة متوقعة للحريري إلى بري. وتقول المعلومات المتداولة هنا إن بري اشترط على الحريري تسمية الشخصية البديلة عنه قبل اعتذاره، تجنباً للتجارب المرة التي سبق وأن حصلت في الفترة الماضية.
ومن فحوى المواقف المعلنة وتلك التي تشهد عليها الكواليس، يمكن الاستنتاج أن الثنائي الشيعي بات على قناعة تامة، وأكثر من أي وقت مضى، بضروة حسم مسألة الحكومة والتفاهم على الخطوات المقبلة لوقف هدر المزيد من الوقت واستفحال الأزمة، بينما البلد لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة، وان استمرار الحريري رئيساً مكلفاً اشهراً اضافية لن يساعد في ازالة العراقيل، طالما بقي «التيار الوطني الحر» على موقفه الرافض لترؤس الحريري للحكومة وتقديم تنازلات تؤمن له ولادة حكومته.
يتعاطى الكل مع الاعتذار كأمر واقع لا محالة، لكن مصادر متابعة رأت ان قرار الحريري لم يعد في يده بقدر ما يتوقف على موقف بري، الذي وان كان لم يعد بمقدوره تغطية الحريري الذي احرج كل من حوله حتى اصدقاءه، فهو يحتاج إلى اتفاق مسبق على مرحلة ما بعد الحريري ومن سيأتي بعده وشكل الحكومة المقبلة التي يفترض ان تشكل سريعاً. تستبعد المصادر ان يدخل بري في مغامرة الموافقة على اعتذار للحريري من دون تأمين البديل، اذ لا يكفي للحريري ان يزكّي تكليف مصطفى اديب أو غيره لرئاسة الحكومة من دون وجود ضمانات بتسهيل مهمته، أي الاتفاق على شكل الحكومة واعضائها والمهمات المطلوبة منها، وحينها ستولد الحكومة في غضون 48 ساعة.
بتقديرها أن الجميع بات مأزوماً ولا يرى جدوى من الذهاب إلى استشارات من دون اتفاق مسبق أو تسوية على المرحلة التالية، إذ من يضمن ان يكون التعاطي مع أي رئيس مكلف كما تم التعاطي مع الحريري؟ وهل يمكن لـ«حزب الله» هنا ان يشكل ضمانة بمونته على رئيس «التيار الوطني الحر»؟ أم أن العمل خلافاً لارادة رئيس الجمهورية و«التيار الحر» يشكل خطاً احمر بالنسبة له؟ تشكك المصادر بامكانية أي طرف تقديم ضمانات وبالتالي فالبلد سيغرق في أزمته في ظل تكليف لا أفق له.
لكن مصادر أخرى تعمل على خط الوساطة تؤكد استحالة الاتفاق المسبق بالنظر إلى ما هو حاصل حالياً، حيث تمّ التكليف فيما لم يلتزم أي طرف مع الآخر في التأليف. التجربة الحالية للحريري تدفع المصادر إلى عدم التأمل والذهاب بعيداً، ولو ان هدف رئيس مجلس النواب والثنائي عموماً تشكيل حكومة في نهاية المطاف تريح البلد، لكنه هدف دونه عراقيل أيا كان رئيس الحكومة المكلف. ما يزيد على تسعة اشهر مصيرها سيتحدد في غضون ساعات، التشكيل بات معجزة في عصر قلّت فيه المعجزات، أما بديل الحريري فقد بات المجهول الذي يحدد هويته الحريري قبل غيره. مصادر إعلامية قالت إن «الرئيس الحريري يفكر بسيناريوهات عدة، أبرزها البحث عن جهة ضامنة تساعد على ترميم العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون بشرط منع النائب جبران باسيل من التدخل بتشكيل الحكومة»، لكن «المؤسف» تقول المصادر إنه «لا يوجد فريق سياسي يأخذ على عاتقه هذا المسعى تجنبا للإصطدام بالحاشية التي بغالبيتها تتأثر بمواقف باسيل، إن لم تكن موجودة في القصر الجمهوري بطلب منه». وتشير إلى أن الرئيس نبيه بري الذي كان يعول عليه الرئيس المكلف لأنه القادر على كسر الحلقة «جرى الإلتفاف على مبادرته من قبل نواب تكتل لبنان القوي ما أدى إلى تجميدها». أما السيناريو الثاني «فيتلخص بأن يذهب الحريري إلى بعبدا ومعه تشكيلة من 24 وزيرا، فإذا رفضت من قبل الرئيس عون يعلن الحريري من القصر الجمهوري إعتذاره عن التكليف، والسيناريو الثالث أن يجري الحريري تقويما لكل ما قام به من خطوات ثم يعتذر عن التكليف. أما السيناريو الرابع فيتعلق بإعلان الحريري صراحة رفضه الاعتذار ويصر على التشكيلة التي سلمها للرئيس عون منذ ثلاثة أشهر».
copy short url   نسخ
02/08/2021
438