+ A
A -
ذكرت صحيفة النهار اللبنانية أن يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين هما الخط الزمني الحاسم لإحداث اختراق داخلي وخارجي كبير من خلال النجاح الذي يأمله رئيس الوزراء اللبناني المكلف نجيب ميقاتي في استيلاد حكومته لتكون الصدمة الإيجابية في الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، ولكي تكون أولى إطلالاتها الخارجية الفورية من خلال مشاركتها في المؤتمر الدولي الثالث لدعم لبنان الذي تنظمه فرنسا في يوم الرابع من أغسطس تحديداً.
أمس الأول زار الرئيس نجيب ميقاتي القصر الجمهوري حيث التقى الرئيس ميشال عون، وأوضحت مصادر مطلعة على اللقاء الثالث بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أن الرئيسين استكملا البحث في توزيع الحقائب على الطوائف وفق الصيغ التي طرحت في لقائهما الثاني. ووفق هذه المصادر، فإن الأجواء كانت إيجابية، وأن الرئيسين يعتبران أنهما حققا تقدماً في مسار التشاور لتأمين ولادة سريعة للحكومة، وبقيت بعض النقاط التي تحتاج إلى لمسات أخيرة في بعض الوزارات لا سيما الحقائب السيادية.
ووفق المصادر، لم يتم الدخول بعد في مرحلة الأسماء التي لن تطرح قبل الاتفاق على التوزيع النهائي للحقائب، والصيغة المطروحة على الطاولة هي 24 وزيراً، أي رئيس ونائب رئيس من دون حقيبة و22 حقيبة تعطى لـ22 وزيرا.
وأفادت معلومات أخرى بأن ميقاتي يُفضّل ألا يتمّ الإقدام على المُداورة في الحقائب بما أنها لن تشمل كل الوزارات. واستنادا إلى المصادر المتابعة، فإن الرئيس المكلف أجاب رئيس الجمهورية بالقول إنه لا مانع لديه من اعتماد المداورة في توزيع الحقائب الوزارية السيادية في التشكيلة الوزارية، ولكن مع تخصيص وزارة المال للشيعة، لا يمكن تحقيق المداورة، وأنا متمسك بوزارة الداخلية للسنة كما هي حاليا من دون أي تغيير. وإذا كنت مصرا على اعتماد المداورة، فيجب إقناع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أولا بالتخلي عن حقيبة المال، وعندها يمكن تطبيق نظام المداورة بتوزيع الوزارات، أما في الوقت الحاضر فلا يمكن اختصار المداورة بوزارة دون الأخرى. وتقول المصادر إن البحث توقف عند النقطتين المذكورتين، نقطة إصرار عون على تسمية الوزراء المسيحيين، ونقطة إصراره على تخصيص الداخلية للمسيحيين، على أن يتولى هو تسمية الوزير الذي يتولاها.
توازياً، عبّرت أوساط مواكبة لمستجدات الملف الحكومي عن قناعتها من أن المشاورات والاتصالات التي ستتكثف على أكثر من خط رئاسي وسياسي خلال الساعات المقبلة «ستعكس في حصيلة نتائجها مآل واتجاهات الأمور هذا الأسبوع»، باعتبارها ستحدد سقوف «الممكن وغير الممكن» في عملية التأليف، لافتةً الانتباه إلى أن الرئيس المكلف يدفع باتجاه «استعجال الحسم وإنجاز الصيغة النهائية لتشكيلته الحكومية في أقرب الآجال».
ومن هذا المنطلق، يزور ميقاتي قصر بعبدا الاثنين على نية «حسم توزيع الحقائب على الطوائف ووضع اللمسات الأخيرة على هذا الجانب من الخريطة الوزارية، والشروع فوراً في مسألة طرح الأسماء المنوي توزيرها من الشخصيات الاختصاصية غير الحزبية»، وفق ما أكدت الأوساط، مبديةً توجسها في هذا الصدد من أنّ مرحلة التسميات ستكون الأصعب في النقاش لأنّ «شيطان الثلث المعطل» يكمن في تفاصيلها.
باريس تترقب
وفي حمأة هذه الأجواء، بدت باريس من أكثر العواصم الدولية ترقباً وتتبعاً لمجريات الحدث اللبناني، إذ أفادت صحيفة «النهار» بأن المسؤولين الفرنسيين اعتبروا أنه إذا استطاع الرئيس المكلف أن يشكل حكومة مع وزراء في قطاعات أساسية معروفين بنزاهتهم وفعاليتهم خصوصاً في وزارتي المال والطاقة وبدأ التفاوض مع صندوق النقد الدولي وجمعت فرنسا والولايات المتحدة مؤتمر دعم للبنان يستطيع لبنان أن يبدأ الخروج من الكارثة الاقتصادية والإنسانية التي يتخبط فيها.
الدول العربية
في المقابل، ذكرت مصادر إعلامية مطلعة أن تريُّث بعض الدول العربية ومنها الخليجية في تحديد موقفها لا يعود إلى موقفها من الرئيس المكلف، وإنما لقطع الطريق على أن تأتي الحكومة نسخة طبق الأصل عن حكومة دياب.
وفي هذا السياق، قالت مصادر دبلوماسية عربية إن بعض دول الخليج العربي وإن كانت لم تقصّر في دعم لبنان والوقوف إلى جانبه في الشدائد، فإنها ليست على استعداد لتوظيف دعمها ومساندتها لإعادة إنتاج المنظومة السياسية وتعويمها، خصوصاً أنها تتخوّف من أن تشكّل حكومة الاختصاصيين والمستقلين من وزراء مقنّعين هم الوجه الآخر لحكومة تكنوسياسية.
صحيفة «نداء الوطن» اللبنانية قالت من جانبها إن الاجتماعات المكوكية بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي وصلت إلى «نقطة مستعصية»، وجب أمامها «فرملة» الاندفاعة الميقاتية باتجاه قصر بعبدا والتراجع خطوة إلى الوراء، للتفكير ملياً في سبل حلّها قبل العودة مجدداً إلى القصر الجمهوري.
وأضافت أنه رغم حرص دوائر الرئاسة الأولى على إشاعة أجواء إيجابية وتعميم مناخات عامرة بالود والتناغم بين عون والرئيس المكلف، غير أن تقصي خبايا «الكواليس» أظهر أجواء مكفهرّة ومناخات يسودها «حبس أنفاس» تحسباً لمآل الأمور، إثر بروز معضلة أساسية تمثلت في وضع رئيس الجمهورية «فيتو» على التوزيعة الطائفية التي طرحها ميقاتي للحقائب السيادية، كما نقلت مصادر مواكبة للمشاورات الرئاسية، موضحة أن عون «لم يهضم» تحديداً فكرة إيلاء حقيبتي الداخلية والعدل للطائفة السنية.
ونقلت المصادر أن الاعتراض على هذه المسألة يضعه رئيس الجمهورية تحت خانة «الإخلال بالتوازن الطائفي» في التركيبة الحكومية لناحية توزيع الحقائب بحسب «نوعيتها وأهميتها»، وأكدت أن المضي قدماً في عملية التأليف «سيكون صعباً ما لم يتم تجاوز هذه العقبة وإيجاد الحل اللازم لها، ولذلك تمّ الاتفاق على فرصة مستقطعة لمدة 72 ساعة يقوم خلالها الرئيس المكلف بالتبصّر بالحلول الممكنة، على أن يعود بعدها الاثنين لاستئناف محاولة تدوير الزوايا مع رئيس الجمهورية».
وفي السياق عينه، آثرت مصادر مطلعة على أجواء القصر الجمهوري الإبقاء على نفحة التفاؤل في مقاربة مشاورات التأليف، على اعتبار أن عون «مرتاح لأجواء النقاشات مع الرئيس المكلف الجديد ويراهن على مرونته وقابليته للتعاون»، موضحةً أن الأجواء التي تسود النقاشات بين الرئيسين إيجابية جداً، خصوصاً وأنّ الرئيس ميقاتي يمتلك «ملكة» الهدوء وعدم تعظيم الأمور، ويبدي تجاوباً ورغبة مشتركة مع الرئيس عون لتحقيق التقدم في مسار التشاور حتى تتأمن ولادة سريعة للحكومة.
وإذ لفتت إلى أن ما تحقق حتى الساعة هو «تثبيت الحقائب التي اتفق على توزيعها من خارج الحقائب السيادية»، نقلت المصادر أنه «بقي عدد من الحقائب الأساسية التي سيجري تثبيتها في اللقاء الرابع المرتقب نهار الاثنين قبل الشروع في حسم توزيع الحقائب السيادية، سواء لناحية ما إذا كان سيطبق عليها مبدأ المداورة أم سيبقى توزيعها كما هو قائم راهناً»، ولم تُخفِ في هذا السياق وجود بعض «النقاط العالقة التي تحتاج إلى مزيد من التعمّق في البحث لا سيما في ما خصّ الحقائب السيادية»، مشددةً على أن «الرئيسين اتفقا في ضوء ذلك على الاستفادة من عطلة نهاية الأسبوع لإجراء مزيد من التشاور قبل استكمال النقاش حول تثبيت ما تبقى من حقائب لا تزال قيد الدرس، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الحاسمة والتي تشمل عملية إسقاط الأسماء على الحقائب، أو ما يُعرف في مصطلحات تشكيل الحكومات: إسقاط الأسود على الأبيض».
أما صحيفة كتبت «الأخبار»، فذهبت إلى أن «الأجواء لا سلبية ولا إيجابية»، وقالت إن الطرفين يصران على إشاعة جو من التفاؤل المرتبط باستعدادهما للتعاون، تمهيداً للوصول إلى إنجاز عملية التأليف في أسرع وقت. وأسرع وقت هنا ليس مرتبطاً بتاريخ 4 أغسطس، فالرئيس المكلف يرفض تقييد نفسه بمهلة زمنية، لكن المصادر تؤكد في الوقت نفسه أنه يدرك جيداً التحديات التي تواجه البلد، وبالتالي يدرك كلفة التأخير في تأليف الحكومة، ولذلك هو وضع تكليفه في خانة المسعى الإنقاذي، وإذا تبين له أنه سيفشل في مسعاه فلن يتردد في اتخاذ قرار الانسحاب. ويقول في هذا الصدد، عبر برنامج «صار الوقت» على «أم تي في»: «أنا نجيب ميقاتي عندي أدائي وصورتي وتاريخي، وهذا ما يقرر الخطوات المستقبلية».
وإلى أن تتضح أكثر مآلات الأمور، لا يزال الرئيسان عون وميقاتي يرفضان إخراج أي خلاف بوجهات النظر إلى العلن، حيث اتفقا على إبعاد النقاط الخلافية حالياً، وهذا المنحى لا يعني سوى مراكمة الإيجابيات إلى أن يحين موعد السلبيات التي يمكن أن تفجر الحكومة.
لكن حتى اليوم، يبدو جلياً أن الرئيس المكلّف يريد أن يُثبّت أنه يتعاطى مع التأليف بنفس جديد، يسعى من خلاله إلى تجنّب المطبات التي حكمت العلاقة بين عون وسعد الحريري، ساعياً إلى تكريس علاقة جديدة مع رئيس الجمهورية. وإذا كان عون يلاقيه في منتصف الطريق، تأكيداً على رغبته، بدوره، في إنجاز التشكيلة، فقد اكتفى البيان الصادر بعد اجتماعهما أمس الأول، بالإشارة إلى تبادل الآراء في الصيغ المقترحة لتوزيع الحقائب الوزارية على الطوائف في أجواء إيجابية تعكس تقدماً في مسار التشاور بين الرئيسين لتأمين ولادة سريعة للحكومة العتيدة. وجاء في الخبر الذي وزعه القصر الجمهوري أن الرئيسين عون وميقاتي سيلتقيان مجدداً الاثنين لاستكمال البحث. الأجواء الإيجابية لم تحجب الخلاف الذي سرعان ما ثبتته الصيغة التي قدمها ميقاتي لتوزيع الحقائب، فضمّه حقيبة الداخلية إلى الحصة السنية مقابل إسناد العدل إلى المسيحيين يعني أنه يقدّم صيغة مرفوضة سلفاً من عون، وهو ما عبّر عنه الأخير بوضوح، وإن فضّل الطرفان إبقاء الخلاف في الغرف المغلقة.
إلى ذلك، بالرغم من حرص المعنيين بالتأليف على التأكيد أن البحث لم يصل إلى مرحلة الأسماء، إلا أن مجرّد طرح الموضوع، حتى لو لماماً، أظهر أن التباعد كبير، علماً بأن مصادر مطّلعة كانت قد أكدت أن أي أسماء تُعرض ليست سوى من باب التحليل، فلا الرئيس المكلّف عرض أسماء تشكيلته، ولا رئيس الجمهورية قدم رؤيته لمسألة الأسماء.
وقالت المحللة اللبنانية غادة حلاوي في صحيفة «نداء الوطن» إن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ذكر في مقابلته مع الإعلامي ماريو عبود ببعض الثوابت التي على أساسها يمكن تشكيل حكومة فاعلة، فجاءت مقابلته شاملة برسائل متعددة، أولاها للرئيس المكلف بأنه من غير المسموح أن يذهب في رحلة مشاورات شبيهة بسلفه تمتد على مدى أشهر طوال، وثانيتها إعلانه أن ميقاتي دعاه إلى العشاء ولم يسمه وأنه من المستحيل أن يعيد الكرة بتسمية أشخاص يحسبون عليه من دون أن يعينهم بنفسه، ولن يغطي برنامجاً خالياً من التدقيق الجنائي و«الكابيتال كونترول».
أما الموقف الأقوى، الذي حمل في طياته الكثير من الرسائل الملغومة، فتمثل في تلويحه باستقالة نواب كتلته النيابية من مجلس النواب، رغم إدراكه أن «الاستقالة من مجلس النواب شي مش منيح لا لإلنا ولا للبلد، ولكن ما حدا يفكر فيو يحرقنا وما نحرقو..». وكأن باسيل يؤشر ضمناً إلى تلك الحرب الباردة بين الرئاستين الأولى والثانية على خلفية تعطيل العهد واستنفاد الوقت من دون حكومة، ليرهن بذلك مصير العهد بمصير مجلس النواب، فإذا كانت النية حرق العهد فلن يكون مجلس النواب بمنأى عن اللهيب. تفسير قد لا تتبناه مصادر «التيار الوطني» تجنباً للحساسيات لكنه واقع بالاستنتاج.
رسم باسيل خطوطه الحمر الحكومية وانصرف إلى التحضير للانتخابات النيابية، منطلقاً من ترتيب بيته الحزبي وتحضير برنامجه السياسي الذي على أساسه سيخوض عمله في المرحلة المقبلة، وقد حدد عناوينه خلال إطلالته المتلفزة تحت شعار استكمال البحث بالطائف.
ويقول مقربون إنه باشر تشكيل لجان وورش عمل في هذا الاتجاه والعمل على استنهاض جديد لتياره. رئيس «التيار» الذي يدرك أن الهدف من تحركات الرابع من أغسطس التصويب باتجاه رئيس الجمهورية رفع سقف مواقفه كما نبرته، عرف كيف يبرر مواقفه ويستثمر من خلالها مسيحياً وداخل تياره وظهّرها بشكل يحرج خصومه على الساحة المسيحية. لعبها باسيل «صح»، قدّم أوراقه الحكومية وكشفها دفعة واحدة قائلاً: هذا سقفي لمن يريد مفاوضتي، منتقلاً من ضفة الحكومة ومشاوراتها إلى ضفة التحضير للانتخابات، والمقربون يجزمون بأن استقالته ونواب كتلته لن تكون مناورة متى وجد ذلك ضرورة لأن من «حرقوا البلد» مستعدون، بحسبه، لحرقه، وحينها سيلعب ورقته الأخيرة على قاعدة «عليّ وعلى أعدائي».
copy short url   نسخ
31/07/2021
369