+ A
A -
السنوسي بسيكري
كاتب ليبي
لا يمكن أن يفسر المتابع للشأن الليبي بتفاصيله؛ الاستقالات العديدة بعد إعلان النتائج وفوز مرشح الجماعة، عماد البنَّاني، إلا أنها سلوك غير مقبول بالنظر إلى فلسفة وأدبيات التداول على السلطة والتعددية والديمقراطية. فقد فهم قطاع كبير من المتابعين أن لسان حال ومقال المستقلين هو إما أن نستمر في قيادة الحزب، أو نتركه إذا خسرنا الانتخابات. ومما يدعم هذا الحكم هو أن التغيير في النظام الأساسي للحزب بشكل يسمح باستمرار محمد صوان لفترة رئاسة أخرى؛ كان مطروحا، أو تم الحديث عنه من قبل أنصاره ومبرزين من داعميه في الحزب، فلم يقع تغيير النظام الأساسي وفاز البناني، فاستقال من يرفض مواقفه.
وجهة نظر بعض القيادات السابقة للحزب لتبرير الاستقالات هو أنهم صنعوا توجها سياسيا للحزب بجهد وعناء ومشقة وبذلوا لأجله الكثير، ولم يكن أقل ما بذلوه سمعتهم والتأثير السلبي للعداوة التي واجهوها من التيار الذي من المفترض أنهم ينتسبون إليه، وبالتالي فإن من حقهم أن يحافظوا على هذا التراكم ويستمروا في تكريسه، ولن يكون هذا ممكنا في ظل التغيير الذي وقع في قيادة الحزب، لهذا فإنه لا بديل عن أن يؤسسوا حزبا جديدا ينتظم فيه كل من يؤيدهم في التوجه، ويرفض الاستمرار تحت «القيادة المتشددة».
قد نفهم موقف المتحفظين على النتائج من هذه الزاوية، إلا أن فلسفة وآليات الديمقراطية وتطبيقاتها، خاصة ما قدمته التجارب الغربية، تقوم على التدافع بين مكونات وخيارات سياسية عدة داخل الحزب الواحد، حيث تحتدم المنافسة بين مرشحي رئاسة الحزب وتطرح أفكارا وخيارات لمسيرة الحزب، مختلفة بل ومتضادة أحيانا، ويفوز من يحصل على أغلبية الأصوات ويقبل منافسوه بالنتيجة، وهكذا دواليك.
ولقد كان البناني صائبا في الرد بأنهم حكموا عليه دون أن يعطوه الفرصة ليقدم رؤيته، دون أن نقلل من أثر المناكفة السياسية بين الفريقين داخل أروقة الحزب، خاصة في الهيئة العليا، حيث كان البناني عضوا فيها، والتي تظهر فيها مواقف أعضائها بجلاء من أداء القيادة التنفيذية للحزب.
هذا الانقسام ستكون له تداعياته وسيرفع من سقف التحديات أمام الطرفين المتنازعين، فالقيادة الجديدة قد تجد نصرة من قبل من تركوا الحزب بسبب الخيارات السياسية لقيادته السابقة، إلا إنها ستكون أمام تحدي إعادة تأسيس مؤسسات الحزب وتأهيل الكوادر، بعد الفراغ الذي وقع واستقالة مجموعة تمرست في العمل السياسي وراكمت خبرة سياسية عبر تسع سنوات.
أيضا ستواجه القيادة الجديدة ضغوطا تتعلق بكيفية التعامل مع تموقع الحزب في المنتظم السياسي الداخلي، والعلاقة مع الأطراف الخارجية المعنية بالأزمة الليبية، حيث مثّل هذا التموقع خلاصة سياسات القيادة السابقة للحزب وخياراتها، والتي تحفظت عليها القيادة الجديدة.
وهناك التحدي والاختبار نفسه الذي واجهته القيادة السابقة في ما يتعلق بالعلاقة مع جماعة الإخوان، ومع واجهات التيار الإسلامي والوطني، والتي تشكل مؤشرا في الحكم على الحزب والقبول به ضمن معادلة التدافع المحلية.
التيار المنفصل والذي يتجه إلى تشكيل مظلة سياسية جديدة سيحقق مكسبا، وهو أنه سيتخلص من عبء شماعة الإخوان. فقد ثبت بالدليل القاطع صدق تصريحاتهم من أنهم لا يمثلون الإخوان، وذلك بعد ما وقع قبل وبعد انتخابات رئاسة الحزب، وسيعملون بحرية بعد أن تحرروا من هذا العبء
في المقابل، قد يواجه الحزب الجديد حملة مضمونها أنه لا يؤتمن على الديمقراطية ولا تُقبل دعوى إيمانه بالدولة المدنية بعد رفضه نتائج انتخابات رئاسة الحزب، وقد تكون هذه الدعاية مؤثرة، ولا يمكن دحضها بسهولة.
علاوة على ما سبق، فإن المستقيلين سيعولون في سعيهم ليكونوا رقما في المعادلة السياسية على خبرتهم وشبكة علاقاتهم الداخلية والخارجية. وبرغم أهمية ذلك إلا أنه غير كافٍ في ظل تعقيدات الواقع الليبي، فقد اختاروا الانفصال عن التيار الإسلامي، ليبحثوا لهم عن موقع ضمن المشاريع السياسية المدنية.
تجارب الأحزاب التي تشكلت حديثا، حتى قبيل الانتخابات بفترة قصيرة كما حصل لحزب الجمهورية الفرنسي برئاسة ماكرون، لا يمكن القياس عليها، والسبب يعود لطبيعة المرحلة التي مرت بها فرنسا وللتطورات التي تشهدها الدول الغربية، الأوروبية تحديدا، والتي لها علاقة بالتحولات الاجتماعية الكبيرة التي تراكمت منذ نحو نصف قرن، وكان من نتائجها صعود التيار اليميني المتطرف.
copy short url   نسخ
27/07/2021
312