+ A
A -
محمد هنيد
أستاذ مشارك بجامعة السوربون
ماذا يحدث في تونس؟ ولماذا يحتبس الوضع السياسي هناك بعد سنوات من الثورة؟ أين تقع جذور الأزمة؟ ولماذا تتواصل إلى اليوم؟ أسئلة كثيرة يطرحها الشارع التونسي ويطرحها الشارع العربي المشغول بمآلات مهد الربيع.
في تونس يرفض رئيس الجمهورية ختم القوانين المتعلقة بالمؤسسات الدستورية وعلى رأسها المحكمة الدستورية ويرفض التوقيع على تنصيب وزراء الحكومة الجديدة التي اختار هو رئيسها ثم انقلب عليه. في الجهة المقابلة تتقاتل الأحزاب السياسية تحت قبّة البرلمان وسط جوّ من الفوضى والتهريج والمؤامرات التي ألغت أبسط شروط العملية الديمقراطية التي هي أولا وقبل كل شيء اعتراف بالآخر المختلِف وإقرارٌ بحقه في التعبير وبدوره كشريك فاعل في بناء الدولة وصياغة أدوات الحكم.
أما على المستوى الشعبي فإن الأزمة الصحية والاقتصادية لا تبشر بخير بل تُنبئ بانفجار كبير ما لم يتدارك الحاكم الأمر قبل فوات الأوان. لن ينتظر الشارع تصالح السياسيين ولا توافق النخب ولا جولات الحوار الوطني التي لا تنتهي بل سيخرج مطالبا بخروج كل الطبقة السياسية التي فاقمت أزماته وأوصلته إلى طريق مسدود.
صحيح أنّ أطرافا كثيرة في الداخل والخارج تدفع نحو هذا الانفجار وهم لا يعلمون أنّ الانفجار القادم لن يرحم أحدا بما فيهم أنصار الفوضى والانقلاب على الثورة. لقد أدركت الجماهير اليوم أن نخبها السياسية والفكرية الحالية ليست أهلا للحكم وأنها عاجزة عن تحقيق الحدّ الأدنى من التوافق فيما بينها بعد أن أوصلتها الجماهير إلى سدّة الحكم.
لن يكون أمام السياسيين في تونس سوى التوافق وتزكية الحكومة الجديدة والتركيز على الاقتصاد والإنتاج من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمسار كاملا. في غياب التوافق فإن البلاد تسير إلى الإفلاس وقد تقع تحت وصاية البنك الدولي والمؤسسات المالية العالمية في حال عجزت البلاد عن سداد ديونها.
لم يعد المطلب اليوم سياسيا ولا حزبيا بل هو مطلب اقتصادي واجتماعي بالدرجة الأولى يهدف إلى إخراج البلاد من أزمتها الخانقة ووضعها على مسار الاستقرار والإنتاج بعيدا عن التجاذب الحزبي والصراع الايديولوجي. لقد أثبتت سنوات الثورة أنّ مطلب الاستقرار الاقتصادي هو المطالب التي تحتاجها البلاد وأنّ أخطر المطبات التي يمكن أن تسقط فيها هي مطبات التجاذب السياسي التي تنتهي دوما بالفشل أو الفوضى أو الانقلاب.
copy short url   نسخ
24/06/2021
357