+ A
A -
الدوحة- قنا- يشهد النظام الصحي في دولة قطر تطورا كبيرا وتقدما ملموسا على كافة الصعد الوقائية والعلاجية، وفي مستويات الرعاية الصحية المقدمة والمتكاملة لجميع سكان دولة قطر على مختلف فئاتهم العمرية، ونوعية الأمراض، من البسيطة إلى المتوسطة ومنخفضة وعالية الخطورة إلى المعقد منها، وذلك بفضل ما توليه الدولة لهذا القطاع الهام من أولوية وعناية فائقة باعتبار أن العقل السليم في الجسم السليم، ومن منطلق أن الإنسان المعافى بدنيا ونفسيا وجسديا أكثر قدرة من غيره على العطاء والبذل والإنتاج والإسهام الفاعل في نهضة الوطن ورفعته.
وفي هذا السياق فإن رعاية الأطفال حديثي الولادة والخدج منهم تحظى بعناية كبيرة ودرجة عالية من الاهتمام، بسبب المشاكل والصعوبات الصحية التي تصاحب عادة ولاداتهم المبكرة، سواء ما يرتبط منها بصحة الأم، أو تلك التي تتعلق بصحة هؤلاء المواليد أنفسهم، والتي يتم غالبا اكتشافها قبل ولادتهم وهم في أرحام أمهاتهم.
وتبذل وحدة العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة والخدج والقائمين عليها بمركز صحة المرأة والأبحاث بمؤسسة حمد الطبية، جهودا مقدرة ومضاعفة للعناية بهذه الفئة من المواليد، خاصة وأنهم يعانون العديد من المشاكل والصعوبات الصحية المعقدة عند ولادتهم، ومن أهمها صغر أحجامهم وقلة الوزن وعدم اكتمال نمو كافة أعضائهم، ما يترتب عليه صعوبات في التغذية والنمو والتنفس وغيرها، لا سيما وأن بعضهم قد تكون ولادته المبكرة بسبب إعاقة مصاحبة لحمله.
ولا شك أن وحدات العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة بمؤسسة حمد الطبية قد أحرزت تقدما بارزا في رعاية الأطفال الخدج وتحـــــــقيق أفــــــضل النتائج الممكنة التي جعلت دولة قطر في مقدمة الدول التي سجلت أعلى مستوى من الخدمات والرعاية للحفاظ على صحة الأطفال الـــخدج عالــــميا، وذلك بفضل الخدمات العديدة التي توفرها تلك الوحدات في هذا المجال والخبرات الطبية والتمريضية المتراكمة المتوفرة لديها، والنجاح الكبير للبرامج التي تضعها وتنفذها لفائدة هؤلاء الأطـــــــفال وأسرهم، ما يسهم في تعافيهم وخروجهم من الوحدة بحالة صحية طيبة ومستقرة، بل ومتابعتهم والتواصل مع أسرهم بعد ذلك.
وقالت الدكتورة مي عبد الله القبيسي استشاري أول ورئيسة قسم العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة بمركز صحة المرأة والأبحاث بمؤسسة حمد الطبية في حوار مع وكالة الأنباء القطرية قنا «إن وحدة الأطفال حديثي الولادة والخدج بالمؤسسة تعتبر من أكبر الوحدات مقارنة بمثيلاتها في منطقة الشرق الأوسط، وتتسع لـ 112 سريرا أو حاضنة، وتستقبل سنويا ما بين 2000 و2500 طفل ومولود، من الذكور والإناث».
وأوضحت أن الوحدة تضم قسمين، أحدهما للعناية الفائقة للأطفال الخدج ممن يولدون وتتراوح فترة حملهم بين 24 و27 أسبوعا، وأوزانهم بين 500 و800 جرام، في حين يعنى القسم الثاني بالعناية المركزة لمن تتم ولادتهم لأكثر من 28 أسبوعا، علما أن فترة الحمل الطبيعية هي حوالي 40 أسبوعا أي نحو 280 يوما، مشيرة إلى أن التعريف الطبي العام للطفل الخديج هو أنه الطفل الذي يولد بعد مدة حمل رحمي أقل من 37 أسبوعا.
وذكرت أن الفترة الحرجة للأطفال حديثي الولادة والخدج هي لمن تتم ولادتهم في الأسبوع 23 و24 من حملهم ولأسباب شتى، وأرجــــــعت ذلك لكونـــــــها الفترة التي تصبح فيها عملية إنعاشــــهم ممكنة، لكنها بينت أن عملـــــية إنعاش من هم في عمر أقل من 23 أسبوعا تتم أحيانا وفق معايير طبية معــــــينة تتعلق بوزن الطفل وتهيئة الأم للــــــولادة والوضع بالأدوية التي تســـــاعد على نمو طفلها والتخلص من الالتــــهابات والعدوى، فضلا عن معيار وزن الطفل الخديج، لافتة إلى أن كــل أسبوع نمو يمر على طـــــفل يولد في عمر 23 أسبوعا، يزيد من فرص حياته وخروجه من الوحدة دون مشاكل صــــحية مزمنة، مع المتابعة المستمرة لــــــه، وقالت: «إن أقل وزن لطفل خديج بالوحدة هو 480 جـــــــراما أي أقــــــل من نصف كيلو جرام».
وأكدت الدكتورة مي عبد الله القبيسي، استشاري أول ورئيسة قسم العناية المركزة للأطفال حديثي الولادة بمركز صحة المرأة والأبحاث بمؤسسة حمد الطبية أن نسبة الحياة والخروج الآمن والمستقر من الوحدة والحضانات الآن بالنسبة للأطفال الخدج بالعناية الفائقة ممن تتراوح فترات حملهم بين 24 و28 أسبوعا - بمركز صحة المرأة والأبحاث، أفضل بكثير من السنوات السابقة، جراء التقنيات الجديدة المتبعة بالوحدة من ناحية الأجهزة والأدوية والتغذية وغيرها من أساليب الرعاية الطبية الحديثة التي يتم تطبيقها.
ونوهت بوجود الكثير من الأسباب التي تؤدي إلى الولادات المبكرة، وكذا تعافي المواليد الخدج، سواء من هم في قسم العناية الفائقة أو المركزة، وقالت إن هذه الأسباب تختلف بالضرورة من طفل لآخر ومن أم لأخرى، ومن حيث شدتها وخطورتها وانخفاض حدتها، وهو ما ينعكس بدوره على سرعة التعافي والنمو ومدة البقاء بالوحدة والخروج منها.
وبينت في هذا السياق أن الطفل الخديج سيبقى في الوحدة حتى يحين موعد ولادته الطبيعية التي تم تحديدها للأم في بداية الحمل، لافتة إلى أن أغلب الأطفال الخدج وحديثي الولادة الذين يغادرون الوحدة بعد الاطمئنان على صحتهم، تكون حالتهم مستقرة ولا يعانون من مشاكل صحية مزمنة أو معقدة مثل صعوبات الحركة والتعلم والنمو.
وبشأن نظام تغذية الأطفال الخدج وحديثي الولادة، قالت الدكتورة مي عبد الله القبيسي إن الوحدة تطبق في هذا الخصوص بروتوكولا دوليا معتمدا ومتعارفا عليه، وأوضحت أن الطفل الخديج في عمر 34 أسبوعا تتم تغذيته عن طريق الوريد، وذلك لأسباب علمية مردها أن عضلاته لا تسعفه على مص الحليب، مع اعطاء الحليب بعد ذلك بكميات مناسبة وفي عمر مناسب، وتفضيل حليب الأم للأطفال الخدج خاصة.
ونبهت الدكتورة القبيسي في هذا السياق إلى أن أغلب الأطفال في عمر أقل من 34 أسبوعا يحتاجون للمساعدة التقنية فيما يتعلق بالتنفس عن طريق الأنبوب أو الكمــــــامة أو بالأكسجين الــــعادي، وذلك أيضا حـــــسب عمر الطفل ونمـــــوه ووزنه وحالته المرضية، وأكدت أن ما يتوفـــــر من أجهزة التنفـــس بهذه الوحدة في مركز صحة المرأة والأبحاث هو الأحدث منها على مستوى العالم.
وبينت أن من الحالات النادرة أيضا بالوحدة متابعتها لحالات توائم خدج متلاصقين والعناية بأمهاتهم حتى ولادتهم، وقبل انتقالهم لفصلهم في مستشفى سدرة، مشيرة في سياق متصل إلى وجود برنامج دولي مطبق في قطر يقضي بنقل الأطفال الخدج من مستشفى لآخر، حكومي أو خاص بالدولة، حسب حالة الطفل وتوفر العناية الفائقة المطلوبة له وتكملة علاجه في المســتشفى المعني. وقالت إن وزارة الصحة العامة قد اعتمدت برنامجا شاملا لعملية التقييم المتكاملة في هذا الخصوص، يضم أطباء واختصاصيي التنفس وأطقم تمريض وإسعاف.
وكشفت الدكتورة القبيسي في سياق متصل عن أن الوحدة بدأت في اعطاء الأطفال الخدج وحديثي الولادة في قطر ممن تقل أعمارهم عن 34 أسبوعا، دواء يسمى «surfactant» يساعد في نمو الرئتين، وبالتالي سهولة التنفس، وقالت إنه إجراء جديد في قطر من شأنه تفادي استخدام جهاز التنفس، ووضع الطفل بدلا من ذلك على أنبوب تنفس استخدام الكمامة فقط على الأنف، وهي طريقة علميا وعالميا تسمى «ليزا»، مشيرة في هذا الصدد إلى أن الدراسات أثبتت أنه كلما تم الاستغناء عن جهاز وأنبوب التنفس، ومنع استعمالهما، تكون النتيجة أفضل من حيث نمو الطفل وفرص بقائه على قيد الحياة بعد ذلك وهو في هذا العمر والوزن القليل.
ومضت قائلة في حوارها مـــع قنا «لا تقتصر رعايتنا لهؤلاء الأطفال بالوحدة فقط، بل نستمر بعد ذلك في متابعتهم وتقديم الدعم اللازم لهم وأسرهم في المنزل وفي العيادات التخصصية عن طريق فريق طبي متكامل يضم اختصاصيي علاج طبيعي ووظائفي وتغذية، لتقـــــييم حالة الطفل والاطمئنان على سلامته، وتحويله لتخصصات أخرى حسب الحاجة وعند الضرورة، وفقا لبرنامج التشخيص المبكر الذي نطبقه لاكتشاف أي تأخر في النمو».
وأضافت قائلة «لدينا كذلك مجموعات لدعم أسر الأطفال الخدج، تتكون من أطباء واختصاصيين اجتماعيين وتخصصات نفسية ووظائفية أخرى، وأمهات أطفال خدج سابقين، تساعد جميعها بالخبرات والنصائح والإرشادات الصحية، أسر وأمهات الأطفال الخدج الحاليين وتقدم الدعم النفسي والمعنوي والصحي لهم، ويشمل ذلك احتفالنا باليوم العالمي للطفل الخديج في 17 نوفمبر كل عام، والذي يتم فيه أيضا تكريم الأمهات ممن مررن بأوقات صعبة أثناء فترة تواجد أبنائهن بالعناية المركزة وحتى خروجهم منها، وكذا تسليط الضوء على أساليب الرعاية الصحية الواجب اتباعها تجاه هذه الفئة من المواليد الخدج وحديثي الولادة».
يذكر أنه نتيجة لهذا الجهد الكبير الذي تبذله وحدة العناية بالأطفال حديثي الولادة بمركز صحة المرأة والأبحاث بمؤسسة حمد الطبية وبأقسامها المختلفة، حققت الوحدة نتائج ملحوظة ولافتة في مجال جودة خدمات ورعاية الأطفال الخدج، مما جعل قطر من الدول المتقدمة في هذا المجال على المستوى الدولي، وهو ما أتاح لهم فرص الحياة في حاضنات الأطفال التي مثلت لهم وعلى مدى شهور أرحاما بديلة.
وفي هذا الصدد قالت الدكتورة مي القبيسي إن الوحدة تلقت الكثير من الإشادات بهذه النتائج الإيجابية المتقدمة سواء من منظمة الصحة العالمية أو من دول في منطقة الشرق الأوسط، أبدت رغبتها كذلك في الاستفادة من التجربة القطرية في هذا المجال الهام الذي يختص أساسا برعاية شريحة الأطفال الخدج وحديثي الولادة بدولة قطر.
copy short url   نسخ
22/06/2021
1130