+ A
A -
رام الله- الأناضول - مع فجر كل يوم، كان يتوجه الشاب زكريا حمايل (28 عاما) لعمله مدرّسا في إحدى مدارس ضواحي القدس المحتلة، ولكنه في يوم إجازته كان يوجد مع بقية شبان بلدته بيتا جنوب مدينة نابلس؛ إلى منطقة جبل صَبيح المهددة بالاستيطان ليدافع عنها.
وقبل أسابيع عدة، اندلعت المواجهات كالعادة على الجبل الذي يشهد ملحمة بطولية يقودها شبان البلدة رفضا لإقامة بؤرة استيطانية؛ فكان زكريا دوما من أوائل المتوافدين إلى المكان مدفوعا بحبه لأرض بلدته، وفي لحظة واحدة اخترقت رصاصات الاحتلال صدره.
وحاول الشبان نقل المصاب زكريا إلى مركبات الإسعاف التي تواجه صعوبة بالغة في الوصول إلى مكان المواجهات؛ وبعد دقائق قليلة من وصوله للمستشفى تم الإعلان عن استشهاده.
يقول ابن عمه الناشط سامر حمايل لـ«عربي21»، إن زكريا كان يحمل في قلبه وطنه؛ حيث اعتقله الجنود قبل ثلاث سنوات بتهمة محاولة تنفيذه عملية طعن قرب مدخل البلدة، وبقي في السجن لعامين.
وأوضح أنه كان يحرص على الوجود في منطقة الجبل مع جميع أبناء البلدة، ولم يخش الإصابة أو الاعتقال من جديد، وفي يوم استشهاده شيعه كل منزل في بيتا حبا له، ووفاء لدوره في المقاومة الشعبية.
الشهيد زكريا هو واحد من خمسة شهداء قدمتهم البلدة خلال أسابيع قليلة، رفضا لإقامة بؤرة استيطانية على منطقة جبل صبيح، ورغم أن عداد الإصابات مرتفع كذلك، إلا أن الأهالي مصرون على الاستمرار في مقاومتهم حتى يتم دحر آخر مستوطن عن الجبل.
مستشفى ميداني
وأكد سامر أن أهالي البلدة قاموا بفتح مستشفى ميداني في منطقة الجبل لاستقبال الإصابات؛ وهو ما يؤكد إصرارهم على الاستمرار في الدفاع عن أرضهم مهما كلف ذلك من ثمن.
وتعد المقاومة التي يقودها أهالي بيتا ملهمة لبقية الضفة الغربية التي تعيش تحت التوسع الاستيطاني ناهشا كل أراضيها، حيث باتت البلدة أيقونة في الدفاع عن الأرض وعدم السماح للمستوطنين بتنفيذ مخططاتهم بسهولة.
الإرباك الليلي
واتبع شبان البلدة خلال الفترة الأخيرة أسلوب «الإرباك الليلي» تجاه الجنود والمستوطنين؛ حيث يقومون في كل ليلة بإشعال الإطارات المطاطية وإلقاء البالونات المشتعلة وإزعاج المستوطنين الذين يقيمون في البؤرة المستحدثة.
وأشار حمايل إلى أن الاحتلال يستخدم كل الأساليب من أجل إعاقة هذه الفعاليات؛ حيث يغلق مداخل البلدة في كل جمعة، ويمنع وصول مركبات الإسعاف والإطفاء إليها، مناشدا وسائل الإعلام بالقيام بتغطية أكثر تركيزا على ما يحدث في البلدة.
تجربة فريدة
وليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها أهالي بيتا بالتصدي للبؤر الاستيطانية؛ فقبل عام تمكنوا من إفشال مخططات المستوطنين لإقامة بؤرة على جبل العرمة الذي يعد من أعلى جبال شمال الضفة؛ ونجحوا في إجبار المستوطنين على إخلائه.
واليوم يكررون تجربتهم «لتحرير» جبل صبيح من هذه الأطماع، وفق تعبيرهم.
وقال نائب رئيس بلدية بيتا، موسى حمايل، لـ «عربي21»؛ إن أطماع المستوطنين ليست جديدة في هذه المنطقة، حيث حاولوا الاستيلاء على الجبل بعد انتهاء الانتفاضة الأولى.
وأوضح أن قوات الاحتلال كانت تضع نقطة عسكرية على الجبل، كونه مطلا على بقية المناطق المحيطة؛ وبعد أعوام عدة حاول المستوطنون إقامة بؤرة استيطانية مكان الثكنة، ولكن الأهالي تصدروا لهم ودحروهم، مبينا أن المحاولات استمرت مرات عدة خلال السنوات الماضية، وفشلت جميعها.
وأشار إلى أن المحاولات استمرت حتى منتصف شهر رمضان الماضي؛ حيث بدأ المستوطنون يوجدون في الجبل بأعداد كبيرة بحماية قوات الاحتلال، ثم أقاموا خــلال فـتــرة قصيــرة أكـثـــر مــن 30 بيتـــا متنـقــلا مع إمدادها بالماء والكهرباء بشكل سريع.
وعلى الجانب المقابل، رفض أهالي بيتا هذه المحاولة الاستيطانية الجديدة؛ حيث بدؤوا بفعاليات شعبية أسبوعية ثم أصبحت يومية لدحر المستوطنين مجددا، وتنوعت وسائل مقاومتهم لتأخذ أشكالا عدة بينها الإرباك الليلي.
وأوضح حمايل أن الفعاليات بدأت منذ شهر رمضان وأخذت الطابع السلمي؛ حيث كان المواطنون يتوجهون لأداء صلاة الجمعة على أرض الجبل، لتأكيد حقهم فيه، فيقابلها جنود الاحتلال بالقمع برفقة المستوطنين المسلحين.
تطورت الفعاليات حتى أصبحت يومية؛ وخلال ذلك قدمت البلدة خمسة شهداء بينهم طفلان وأكثر من ألفي جريح؛ ليوصل الاحتلال رسالة ترهيب للأهالي، ولكنهم لم يكترثوا لذلك، وبات جبل صبيح بؤرة المقاومة الشعبية في منطقة شمال الضفة المحتلة.
ويرى حمايل أن محاولات استيلاء الاحتلال على الجبل المرتفع حتى 500 متر فوق سطح البحر؛ تأتي بسبب موقعه الاستراتيجي المطل على جميع المناطق المجاورة؛ كما أنه نقطة التقاء لعدد من المستوطنات المقامة جنوب مدينة نابلس وشمال مدينة سلفيت وصولا إلى الأغوار.
وأكد أن جميع أراضي بلدة بيتا مصنفة ضمن مناطق «ب» وفقا لاتفاقية أوسلو، أي إنها تقع تحت السيادة الفلسطينية والإسرائيلية بشكل مشترك، ولكن المستوطنين يتناسون هذه التفاهمات بحماية قوات الاحتلال التي توفر لهم كل الأجواء المناسبة للبدء بتوسعهم الاستيطاني.
وأضاف: «بدأت أطماع المستوطنين على أراضي بيتا منذ عام 1988، حين وقعت الحادثة الشهيرة التي قتل فيها مستوطنان واستشهد خمسة من أبناء البلدة؛ حيث حاول المستوطنون دخول البلدة وتصدى لهم الأهالي، ومنذ ذلك الحين عرفت بيتا بمقاومتها الشرسة للاستيطان ووضعها الاحتلال على قائمة أطماعه».
ولأن المستوطنين لم يتمكنوا من إيجاد موطئ قدم لهم في البلدة؛ استعان الاحتلال بقوانينه العنصرية ليتمكن من السيطرة عليها، فتذرع بوجود دواع أمنية ليصدر قرارا عسكريا بوضع نقطة له على أراضي جبل صبيح خلال الانتفاضة الأولى.
وتابع حمايل: «الأهالي مصممون مهما دفعوا من ثمن أن يواصلوا مقاومتهم لمحاولات الاستيطان على أراضي بيتا؛ فإذا سمحوا للمستوطنين بإقامة بؤرتهم سيتحول الجبل إلى مستوطنة؛ ولن تقف أطماعهم عند هذا الحد كما نراهم في كل مكان بالضفة، لن نقبل أن تكون هناك مستوطنة على أراضي بيتا».
copy short url   نسخ
19/06/2021
349