+ A
A -
طوني عيسى كاتب لبناني
في مسار الانهيار اللبناني، هناك سيناريوهات متداولة يذهب البعض إلى حدّ اعتبارها من «الخيال العِلمي»، ومنها، أنّ تمادي الاهتراء الإداري والمالي والنقدي والاقتصادي والاجتماعي إلى ما لا نهاية سيقود إلى اهتراء أمني أيضاً. وفي هذه الحال، النافذون الذين يأخذون اليوم على عاتقهم إدارة شؤون مناطقهم اجتماعياً، أو فعلوا ذلك في فترات الحرب، سيعلنون إدارة شؤونها أمنياً أيضاً. وهكذا، ستنشأ «المناطق» على حساب الدولة المفكَّكة. فهل هذه المخاوف في محلها؟
هناك طمأنينة سائدة في الأوساط السياسية: لبنان ممنوع من التفكُّك مَهما تمادى في انهياره. والدليل إلى ذلك أنّ البلد عاش حروباً طويلة، على مدى سنوات، وتعرَّض لاهتزازات وتجارب انقسامية، لكنه بقي متماسكاً كدولة ومؤسسات.
على الأرجح، هذا الانطباع في محلِّه. لكن بعض المتابعين يسجّل أنّ مخاطر التفكُّك القائمة حالياً أكبر من تلك التي كانت خلال الحرب، بل ربما تكون الأكبر في تاريخ لبنان. ويلاحظ هؤلاء، أنّ الانهيار المالي أشدّ خطراً على الدولة من الانهيار الأمني والعسكري الذي عاشه لبنان خلال الحرب.
يقول هؤلاء: في الحرب، لم تتفكّك الدولة، على رغم انقسام مؤسساتها الإدارية والعسكرية والأمنية. وبقيت الليرة عنصر الجمع بين اللبنانيين، بقوة المصرف المركزي. وأما اليوم، فهذا العنصر بات سلبياً: انهيار الليرة وخواء المصرف المركزي ومعه القطاع بأسره. وفي المقابل، يتماسك الجيش والقوى الأمنية.
واقعياً، عاش لبنان 15 عاماً على مقربة من التقسيم، لكن صلة الوصل لم تنقطع. وحتى الجيش عاش فترات مضطربة بين الانشقاق التام والتوحُّد حول القيادة، وكذلك قوى الأمن. لكن «الليرة» بما ترمز إليه معنوياً، ومن خلالها المصرف المركزي، بقيت قوة - إجمالاً- وعامل الجمع الوحيد، خلافاً لما هو واقع الآن.
لقد انطلقت الحرب بين المسيحيين وتنظيمات فلسطينية. لكن النزاع تحوَّل محض طائفي- مذهبي- أهلي. ولاحقاً، دخل السوريون على الخط، ثم الإسرائيليون. وبذلك، لم يعد ممكناً تحديد: هل هي حربٌ أهلية، أم هي حربٌ بين المحاور الخارجية، جرى فيها استخدام لبنان واللبنانيين؟
وأسوأ ما يمكن توقّعه هو أن ينهار كل شيء ولا تتوافر القدرة أو الإرادة للتأسيس مجدداً. في هذه الحال، يتكرّس الأسوأ، أي الاهتراء والتفكّك، ما دام التقسيم مرفوضاً والفدرالية ممنوعة والدولة المركزية قد سقطت بحكم الفشل.
وعندما يكون الحوار مقطوعاً، هل مِن بديل سوى الصدمات الأمنية؟!
{ الجمهورية اللبنانية
copy short url   نسخ
19/06/2021
300