+ A
A -
مالك ونوس كاتب سوري
كان حديث نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، عن احتمال إجراء انتخابات رئاسية سورية مبكِّرة، بعد سنة أو سنتين، من الغرابة إلى درجة أنه وضع كثيرين في حيرةٍ من أمرهم حيال حقيقة موقف الروس من الأزمة السورية ومن المستجدات غير الظاهرة، والتي دفعت إلى هذا التصريح. وإذ أوحت الأجواء، بعد انتخابات 26 الشهر الماضي مايو الرئاسية، أن قطار التسويات قد توقَّف بجميع مساراته؛ من مسار أستانة إلى سوتشي إلى جنيف حيث اللجنة الدستورية، يأتي بوغدانوف ليزيد من تعقيد الموقف. يحصل ذلك مع احتمال ألا يُبدي النظام استعداداً لخوض أي مفاوضاتٍ بعد الانتخابات التي اعتبرها انتصاراً احتفل به، ومن هنا صعوبة تخمين ما أراده بوغدانوف الذي قال، على هامش مؤتمر منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، في 3 يونيو الجاري، إن تلك الانتخابات قد تجرى إذا اتفق طرفا النظام والمعارضة على دستور جديد أو إصلاح دستوري.
وتكمن الغرابة في هذا التصريح، والموقف الروسي من خلفه، في أن روســـيا قد تلقت مناشدات كثيرة طوال ســنة، قبـل إجراء الانتخابات الرئاسية، من أجل الضغط على النظام لتأجيلها، غير أنها لم تستمع إليها، بل أرسلت مراقبيها لمراقبة حسن سير الانتخابات، وخرج نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي بتصريحات عــن نزاهتهـــا وعـن الهــدوء الذي ساد في أثناء إجرائها. وكان هدف المناشدات الاستمرار في المضي بمسار الحل السلمي وفق قرار مجلس الأمن 2254، والقاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي مدة سنتين، تجرى بعدها انتخابات رئاسية. وهاتان السنتان هما المدة ذاتها التي قال نائب وزير خارجية روسيا إن انتخابات مبكِّرة قد تجرى بعد مضيِّهما.
هل كانت روسيا تهدف من عدم استجابتها لتلك المناشدات إلى إجراء الانتخابات وضمان فوز بشار الأسد بها، من أجل تعزيز سلطته وإعادة سيطرته على المناطق التي تعدّ حالياً خارج سيطرته، إدلب وشرقي الفرات، وتلك التي تشهد قلاقل، درعا والسويداء؟ تعرف روسيا أن فرص الحل بعد الانتخابات الرئاسية التي أجريت أخيراً سوف تتراجع بسبب توفُّر ما يدفع النظام إلى رفض التفاوض مع المعارضة، نتيجة اكتسابه قوة جديدة، بعد اعتباره الأصوات التي حصل عليها الرئيس السوري، بشار الأسد، تشكِّل انتصاراً كبيراً له.
وفي وقتٍ من المتوقع فيه أن يعزّز النظام وحلفاؤه مواقع قوتهم، لتعزيز مواقفهم أمام المجتمع الدولي الذي قد يعود إلى طرح فكرة العودة إلى مفاوضات جديدة، بعد فشل المسارات السابقة، ومنها مسار اللجنة الدستورية، في هذا الوقت، لم تظهر على المعارضة أي إشارةٍ تدل على اكتسابها نقاط قوة تغيِّر من واقعها وتعزّز موقعها في وجه النظام وحلفائه، لدفعهم إلى السير في طريق الحل السياسي. ولأنه بسبب ضعف المعارضة وعدم مساندة المجتمع الدولي لها للضغط من أجل إقرار دستور جديد يتوافق عليه النظام والمعارضة، ويتم بموجب بنوده الجديدة إجراء انتخاباتٍ رئاسية، اعتمد النظام على دستور سنة 2012 لإجراء انتخاباتٍ مستحقة بالمدة الزمنية وفقه، وهو ما يستند إليه ليعطي تلك الانتخابات شرعيتها. ومع ظهور علامات الضعف على المعارضة بسبب تشتتها وفقدانها الظهير العسكري، تأتي هذه الانتخابات لتزيد من ضعفها، وربما هذا ما قد يؤدّي إلى فراغ الساحة من أي مسار حل أو مشروع تفاوضي جديد، ليزيد من نكسات هذه المعارضة.
بعد كل ما تقدّم، تصبح الطينة أكثر بلة مع التوقف عند كلام بوغدانوف، والذي تحدّث فيه عن اللجنة الدستورية، ثم إشارته إلى وجود خطط لدى إدارته لعقد اجتماع «بصيغة أستانة»، بالتنسيق بين بلاده وتركيا وإيران. فلماذا مسار أستانة، وليس مسار جنيف، ما دام الهدف هو الدستور الجديد الذي أنيط باللجنة الدستورية صياغته، وبجنيف مكاناً لالتئام لجنته؟
يقول كثيرون، ممن هرشوا رؤوسهم، بعد تلقيهم خبر الانتخابات المبكِّرة، إن روسيا تريد وقف الانتقادات واسعة النطاق التي تعرّضت لها إثر إجراء الانتخابات الرئاسية. كذلك ركّز آخرون على أن هدف روسيا هو الإيحاء بأن مسيرة الحل السلمي ماضية، وبالتالي تشجّع بعض الدول على إعادة علاقاتها مع دمشق، خصوصاً دول الخليج العربي، من أجل المساهمة في عملية إعادة إعمار البلاد. وهنا تكون روسيا قد تناست أن ذلك لا يتم إلا بعد إلغاء العقوبات المفروضة على سورية، وهي عقوباتٌ مرتبطة بالشروع بالحل السلمي. لذلك ليس من الهيِّن جلاء الغموض الذي اكتنف تصريح بوغدانوف، وهو غموض سيستمر إلى حين قيام روسيا بدور صادق وواضح في عملية سياسية حقيقية.
{ العربي الجديد
copy short url   نسخ
19/06/2021
828