+ A
A -
أدهم شرقاوي
يقول يحيى بن أكثم: بتُّ ليلةً عند المأمون أميرُ المؤمنين، فاستيقظتُ في جوف الليل وأنا عطشان، فتقلبتُ، فقال لي: يا يحيى ما بك؟
فقلتُ: عطشان يا أمير المؤمنين
فوثبَ على مرقده فجاءني بكوزٍ من ماء!
فقلتُ: يا أمير المؤمنين، ألا دعوتَ بخادمٍ، ألا دعوتَ بغلامٍ، يفعلُ هذا عنك؟!
فقال: لا، حدَّثني أبي عن أبيه عن جده، عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيِّد القوم خادمهم!
الحقُّ يُقال لو أنَّ شخصاً أراد أن يجمع كتاباً في أخلاق المأمون العباسي، ويعلق على القصص التي أوردها أهل السير والأخبار لألَّفَ كتاباً عظيماً، فالرجل كان دمث الأخلاق، كريم النفس، محباً للعلم والخير، إلا أنه وكما تقول جدتي رحمها الله: الزين ما يكمل! فقد عابَ هذا الزين أنه كان معتزلياً، وهو صاحب فتنة خلق القرآن، وسجن الإمام أحمد وجلده، فغفرَ اللهُ له، ورحمَ الجبلَ الشامخ أحمد بن حنبل!
والحديث سيِّد القوم خادمهم وإن كان فيه انقطاع في السند، وضعفه علماء الحديث، إلا أن الحياة صححته، فلا يسود إلا من كان خادماً للناس!
إن قيمة الإنسان الحقيقية هي فيما يُعطي لا فيما يأخذ، وانظُرْ من حولكَ تجد أن كل الأشياء التي اكتسبتْ قيمةً في الطبيعة إنما اكتسبتها بالعطاء، فسبحان المعطي، قيمة الشمس أنها تمنحُ الضوء والدفء، وقيمة الغيم أن يمنحَ المطر، وقيمة الشجر أنه يمنحُ الثمر، حتى هذا النحل الصغير قيمته العظيمة أنه يعمل لغيره فيلقح الزهر ويمنحُ العسل، والإنسان أولى من هذا الجمادات أن يكتسب قيمته بعطائه!
ما كانت مهنة الطب عظيمة إلا لأن فيها تخفيف آلام الناس، والمحاماة ليست برستيجاً اجتماعياً وإنما قيمتها في رد المظالم والدفاع عن الحقوق وإلا صار المرءُ فيها محامياً للشيطان!
المنصب المرموق يبقى بهرجةً فارغة حتى يكون في خدمة الضعفاء عنده فقط يستحقُّ صاحبه أن يكون سيداً!
نحن حين ننزل للضعفاء والمساكين فإننا في الحقيقة نرتفعُ لا ننزل، وحين لا ننزلُ فنحن في الحقيقة ننحطُّ لا نرتفع!
ثمة بذل وعطاء نحن دونه لا نساوي شيئاً!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
13/06/2021
1134