+ A
A -
لم يكن مفاجئا لأحد الهجوم العنيف الذي شنه رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري على النائب جبران باسيل، لأن «التسريبات» التي تولى فريق باسيل قبل يومين تعميمها على وسائل الإعلام عن «إيجابيات من لقاء الخليلين وعن تقدم حكومي ينتظر موقف الحريري» استفزت الرئيس المكلف فأعطى إشارة الرد.
ووفق مصادر معنية «فإن باسيل تقصد استفزاز الحريري بتسريبات يعلم ان الرئيس المكلف لن يسكت عنها لأنها تجاوز لصلاحياته الدستورية، ناهيك عن انه قال كلاما في حلقة ضيقة جدا وصل إلى الحريري ومفاده «ما بقا قادر اتحمل تأخير تشكيل الحكومة ولا سعد الحريري وخليه يفل».
ولدى سؤال المصادر عن مصلحة باسيل بتأخير الحل والتشدد في مواقفه وشروطه إزاء تشكيل الحكومة، تجيب «باسيل ينطلق من حسابات انتخابية يعتبر فيها أن مواقفه هذه تزيد من شعبيته مسيحيا خصوصا لجهة تسمية الوزراء المسيحيين واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني كاملة».
وعما إذا كان ممكنا بعد السعي لهدنة جديدة لبلورة حل ما تجيب «لا هدنة ولا من يحزنون، وكلام مصادر الحريري يعني ان الأمور وصلت إلى طريق مسدود».
في المقابل تقول أوساط باسيل «انه تحفظ بدايةً على فكرة المشاورات حين فاتحه بها الثنائي الشيعي فقط لكي لا ‏يتم استخدامها ذريعة لتعطيل المبادرة».
أضافت «ان المشاورات مع باسيل تجري أولاً وأخيراً بصفته رئيس تكتل نيابي لمطالبته بالمشاركة في الحكومة ومنحها الثقة، فيما هو مازال مصراً منذ ستة أشهر على عدم المشاركة».
لكن مصادر الرئيس نبيه بري قللت من أهمية الاشتباك الاعلامي «الذي بات نمطا سائدا»، وأكدت «ان بري مستمر في مساعيه لأن لا خيار آخر سوى تشكيل حكومة جديدة لمواجهة مخاطر الانهيار».
وعلى خط التأزم الحكومي أفادت معلومات عن «انزعاج لدى حزب الله، من «تفرّد» أحد مصادر الثنائي الشيعي في الرد «باسم الثنائي» على كلام باسيل، ما أعطى الانطباع بأن الشيعة يأخذون بالكامل طرف الحريري ضد باسيل، وقد يعطي ذريعة لرئيس «التيار» لمعاودة انتقاده التفاهم مع حزب الله كما فعل أخيرا».
وتفيد المعلومات «ان اتصالات لاحقة جرت لتوضيح الموضوع وتصويب الموقف».
في غضون ذلك استمرت القضايا المعيشية في التردي، ويُحكى أن سعر صفيحتي البنزين والمازوت في حال رُفع الدعم سيتخطى المائة ألف ليرة. أجرة السرفيس ستصبح 15 ألف ليرة. حينها ستضرب أسعار المواد الغذائية والفاكهة والخضار الأرقام القياسية من جديد. الصرخة سترتفع في الشارع، وسيكون لصداها الصدى الموجع. الناس لن ترحم أحدًا هذه المرّة كما تقول بعض المصادر اللبنانية المطلعة على تفصيلات الوضع المعيشي المعقد. النقمة ستطال الجميع، وسيكون لشعار «كلن يعني كلن» ترجمة على الأرض من دون ضوابط أو حدود. الفوضى ستكون سمة المرحلة الآتية، وهذا ما يتخّوف منه كثيرون، مع خشية أن تصل حدود هذه الفوضى إلى العبث بالأمن العام، خصوصًا بعد المعلومات المؤكدة عن انتشار السلاح الفردي في شكل غير طبيعي وغير مسبوق.
لا دواء في الصيدليات. لا بنج في المستشفيات. لا مواد أولية لإجراء الفحوصات المخبرية في المختبرات. الأسعار ترتفع من دون «حسّ أو حسيس». ونعود دائمًا إلى نغمة رفع الدعم عن الدواء وعن المستلزمات الطبية وعن بعض الحالات المرضية المزمنة كغسل الكلى مثلًا. صحة المواطن خط أحمر. لا تتلاعبوا بها. المزح في الأمور الصحية غير مسموح. ممنوع الغلط وممنوع الاستهتار بالحدّ الأدنى من الإجراءات الوقائية، خصوصًا بعد الحديث عن تراجع مستوى الخدمات الصحية في ضوء تضاؤل نسبة تغطية المؤسسات الضامنة للمرضى. هناك حديث بأن ثمة أزمة مستعصية في هذه المؤسسات ولا سيما في الضمان الإجتماعي والصحي.
لا كهرباء أيضا بل المزيد من العتمة والمزيد من الأعباء المالية ومزيد من «التعتير»، حتى أن أصحاب المولدات، الذين جنوا أموالًا طائلة على مدى سنوات، باتوا يتحكّمون برقابنا. لا كهرباء في المنازل والمعامل والمستشفيات فيما بواخر الفيول تنتظر في البحر.
لا عمل ولا وظائف ولا فرص عمل جديدة متاحة فيما تتزايد أعداد الشباب المتخرجين من الجامعات والمعاهد والعاطلين عن العمل، وقد أصبحت وجهتهم خارج الحدود.
عدد كبير من المؤسسات والشركات بدأ التفكير جدّيًا بتقليص نشاطاته، حتى أن القسم الأكبر منها قد أقفل أبوابه واستغنى عن خدمات موظفيه.
ثمة أزمة تلوح في الأفق، وهي الأخطر، حيث يُقال إن الطحين بدأ ينفد من الأسواق، مما يعني أن لبنان مقبل على أزمة رغيف، مع ما يترتب على ذلك من نتائج كارثية على المستوى الشعبي، خصوصًا أن الخبز هو القاسم المشترك على موائد الفقراء.
لا سيولة بين أيدي المواطنين، باستثناء قلّة، خصوصًا أن «التحويشة» التي استطاع البعض تهريبها من المصارف قبل الأزمة المالية، والتي وضعت في المنازل كاحتياط إلزامي، بدأت تنفد. وهذا الأمر ربما ساعد كثيرين في الصمود مدّة طويلة، وفي تأخير صاعق «الانفجار الكبير».
وعلى رغم ذلك هناك من يقول بأن الوضع ليس مأسويًا كما يحلو للبعض تسويقه لغايات سياسية مشبوهة، ولتشويه صورة العهد ولضرب هيبة الدولة ومصداقية المؤسسات.
ويعطي هؤلاء دليلًا على صحة ما يزعمون أن المقاهي والمطاعم «مفولة»، مع أن الكلفة للشخص الواحد 450 ألف ليرة تقريبًا، أي ما يعادل الـ 35 دولارًا.
ولا يلبث اللبناني الاعتياد على ثبات سعر صرف الدولار وما يتبعه من ارتفاع بالاسعار في المحال التجارية، حتى يقفز فجأة في السوق الموازية، وبسحر ساحرٍ، من 12300 إلى قرابة الـ15000 ليرة. ومع شحّ دولارات مصرف لبنان، ورفع الدعم عن بعض القطاعات، فُقدت المحروقات، وانقطع الدواء والأدوات الطبيّة، وعادت الاحتجاجات اليومية وقطع الطرقات، وازدادت السرقات وعمليات الانتحار الناتجة عن الأزمة الاقتصادية والمعيشية.
كان دولار السوق الموازية شبه مستقر منذ قرابة الشهرين وأكثر ما بين 12200 – 12500 ليرة. يشير الخبير الاقتصادي لويس حبيقة لـ «لبنان24» إلى أن الوضع حاليا مختلف في لبنان عن ما كان عليه منذ شهرين، إذ أنه يسوء أكثر، والناس تطلب الدولار أكثر وتترك الليرة. ومع الطلب المتزايد على البنزين والادوية والمواد الغذائية زاد الطلب على الدولار. وما ساعد في ارتفاع سعر صرف العملة الخضراء في السوق الموازية صعوبة الاوضاع في لبنان.
وتجدر الاشارة إلى أن مصرف لبنان ألزم المصارف بتسديد 400 دولار «fresh dollars» إضافة إلى ما يوازيها بالليرة اللبنانية للحسابات التي كانت قائمة بتاريخ أكتوبر من سنة 2019، وكما أصبحت هذه الحسابات في مارس 2021. هنا، يرى حبيقة أن ليس هناك ارتباط بين ارتفاع سعر الدولار وبيان «المركزي». ويضيف: «الناس لم تبد حماسة بالبيان، ولديها شكوك بطريقة دفع الدولارات، وذلك عبر فتح حساب غير خاضع للسرية المصرفية، ما سينتج عنه إقفال الحسابات الصغيرة بالدولار».
ويؤكد حبيقة أن الدولار موجود في السوق الموازية بسعر 15000 ليرة تقريبا، ويمكن بيعه وشراؤه، وهي السوق التي تتحكم بالدولار لأنها الوحيدة التي تتاجر بالعملة الخضراء. ويوضح أن بعض المواطنين لديهم ما بين 5 و6 ملايين دولار في منازلهم، وتجارة الدولار أصبحت مثل بيع الكراسي والطاولات، ولا تُعتبر تجارة غير شرعية لأن المواطن ليس ملزما بشرائه أو بيعه. فأصبح كل مواطن يستفيد بالشراء على السعر المنخفض والبيع على السعر المرتفع، وكل شخص حرّ بالبيع والشراء من أمواله الخاصة.
كان بعض التجار يحصلون على دولارات الدعم، ويرفعون في الوقت عينه الاسعار ويدّعون أنهم كانوا يؤمنون الدولار من السوق الموازية. يشدد حبيقة على أنه يجب على مصرف لبنان تكذيبهم، تماما كما قال حاكم «المركزي» رياض سلامة لأهالي الطلاب في الخارج، حين أعلن أنه حوّل لأولادهم 240 مليون دولار، فاختفت تحركاتهم من الشارع.
ويلفت حبيقة إلى أن أزمة البنزين على سبيل المثال هي نتيجة ما تبقى من دولارات المودعين فقط في الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان، إذ أن «المركزي» لا يمكنه إعطاء الدولارات للتجار وشركات النفط من أموال المودعين، ولا يمكنه التصرف بأموال المواطنين من دون موافقتهم.
وبالتوازي مع قول صندوق النقد الدولي إنه لا يرى حاجة لأن يطبق لبنان قانون ضبط رأس المال من دون دعم أو سياسات ملائمة مالية وأخرى لسعر الصرف، يرى حبيقة أن إعلان صندوق النقد الدولي مهم جدا، لأن ما يقوم به المسؤولون في لبنان لا يوافق عليه الصندوق.
ويشدد حبيقة على أن حلّ الدولار سياسي- اجتماعي- أخلاقي ضد الفساد، وليس نقديا. والبداية تكون بتشكيل حكومة تضع موازنة، وتباشر بالإصلاحات وبالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي والرقابة على الأسواق.
ويُحذر من خُطورة عدم تشكيل الحكومة، ويقول «رايحين نزول» والدولار سيبلغ 20 و25 ألفا. ويختم متخوفا من انعكاس الأمور على الاوضاع الأمنية من سرقة وقتل، والدليل أن الجرائم إلى تزايد. الدولار يمكن أن يرتفع وينخفض، بينما الاوضاع الأمنية إن خرجت عن السيطرة، فلا يمكن ضبطها.
وتوقفت أوساط مطلعة عند قول وزير الداخلية محمد فهمي في حديث صحفي «ان الكلام عن الفساد لا يعني بالضرورة الرشوة المالية، فالفساد له أشكال مختلفة تتوزع بين تقصير في الوظيفة والإنتاجية، أو في عدم احترام دوام العمل أو في التأخير ببتّ الملفات، ويمكن ان يطال هذا الفساد مختلف الإدارات والمؤسسات والوزارات».
ورأت الأوساط في كلام وزير الداخلية محاولة متأخرة لتلطيف الأجواء مع القضاء ومجلس القضاء الأعلى بعد الاطلالات الاعلامية التي قال فيها كلاما عالي النبرة ضد القضاء واتهم فيها القضاء بالفساد.
وتوقعت الأوساط ان تشكل «تخريجة» فهمي لمواقفه السابقة بابا لحل النزاع بينه وبين القضاء، بعدما طلب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود من النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات في كتاب وجهه اليه ملاحقة الوزير فهمي، وأرفق كتابه بقرص مدمج يتضمن الحوار التليفزيوني مع فهمي المشكو منه. فتحرّك القاضي عويدات بدوره وكلف قسم المباحث الجنائية المركزية تفريغ القرص المدمج على ان يتخذ قراره بشأن ملاحقة فهمي في ضوء ذلك.
في شأن آخر، يتولى نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية ريتشارد مايكلز الذي حضر إلى بيروت الشهر الفائت صلاحيات السفيرة الأميركية دوروثي شيا بعد مغادرتها قبل أكثر من أسبوع.
وفي التفاصيل أنّ شيا عادت إلى واشنطن حيث يُتوقع أن تغيب لمدة شهر تقريباً. وبحسب ما أفاده موقع السفارة الأميركية في بيروت، فقد وصل ريتشارد مايكلز إلى بيروت في مايو الفائت.
ويعرّف الموقع الأميركي الرسمي عن مايكلز بأنّه «نائب رئيس البعثة اليبدلوماسية الأميركية» وقد «عمل مستشاراً اقتصادياً في بعثة بلاده الديبلوماسية في العاصمة النيجرية أبوجا، وقد عمل في السابق أيضا كنائب لرئيس البعثة الدبلوماسية الأميركية في كيغالي عاصمة رواندا، وكمراقب في برنامج زمالة بين وزارة الخارجية والسيناتور تامي بالدوين، ومستشار سياسي واقتصادي في تونس، ومساعد خاص في مكتب شؤون الشرق الأدنى في العاصمة واشنطن؛ ورئيس الشؤون السياسية والاقتصادية في مونتيري في المكسيك، ومستشار اقتصادي في بغداد العراق، ومساعدا في مكتب الشؤون الاقتصادية والتجارية في العاصمة واشنطن، وملحق ثقافي في بيروت؛ ومسؤول سياسي وقنصلي في الكويت».
يُشار إلى أنّ مايكلز يحمل شهادة بكالوريوس من كلية الشؤون الخارجية في جامعة جورجتاون وحاصل على درجة الماجستير من جامعة ستانفورد. وهو يتقن اللغة الإسبانية والعربية والفرنسية والبرتغالية.
وقبل مغادرتها، كثّفت شيا لقاءاتها في حضور مايكلز، في خطوة سعت من خلالها السفيرة إلى تعريف المسؤولين اللبنانيين بالدبلوماسي الجديد. يُذكر أنّ مايكلز التقى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري قبل يومين في «بيت الوسط» وعرض معه آخر المستجدات السياسية والأوضاع العامة والعلاقات الثنائية بين البلدين.
copy short url   نسخ
13/06/2021
510