+ A
A -
طهران- أ.ف.ب- يتوجه الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع في 18 يونيو لاختيار رئيس جديد للجمهورية، في انتخابات تبدو نتيجتها محسومة سلفا ويتوقع أن تعزز إمساك المحافظين بمفاصل هيئات الحكم، وسط تخوف من امتناع عن المشاركة بنسبة قياسية.
ومنح مجلس صيانة الدستور الأهلية لسبعة مرشحين لخوض الانتخابات الثالثة عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية (اعتبارا من عام 1979)، هم خمسة من التيار المحافظ المتشدد (المعروف بـ«الأصولي»)، واثنان من التيار الإصلاحي.
ويبرز بين هؤلاء رئيس السلطة القضائية المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي (60 عاما)، الأوفر حظا للفوز بالمنصب، بعدما نال 38 بالمائة من أصوات المقترعين في انتخابات 2017، وفي ظل غياب أي منافس وازن.
ودعي الإيرانيون لانتخاب خلف للرئيس المعتدل حسن روحاني الذي يتولى منصبه منذ 2013، ولا يحق له الترشح للدورة المقبلة بعد ولايتين متتاليتين.
وتوقع سياسيون وصحفيون ووسائل إعلام محلية أن ترافق الانتخابات نسبة امتناع واسعة عن التصويت، وهو ما يصبّ عادة في صالح التيار المحافظ.
وشهدت آخر عملية اقتراع في إيران (الانتخابات التشريعية 2020)، نسبة امتناع قياسية بلغت 57 بالمائة.
وأتى ذلك بعد استبعاد مجلس صيانة الدستور آلاف المرشحين، غالبيتهم من الإصلاحيين والمعتدلين. وانتهت انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) بفوز عريض للمحافظين.
وقبل أقل من أسبوعين على موعد الدورة الأولى، تمضي الحملة الانتخابية دون ضجيج في طهران. وباستثناء تلك العائدة لرئيسي، يندر وجود صور المرشحين وشعاراتهم في العاصمة.
وفي حين أن الإجراءات الوقائية المرتبطة بتفشي جائحة كوفيد 19 حدّت بشكل كبير من إمكانية إقامة تجمعات عامة، يسود انطباع عام بأن الانتخابات المقبلة تثير حماسة أقل من سابقاتها.
ويتولى الرئيس في إيران السلطة التنفيذية ويشكّل الحكومة، الا أن الكلمة الفصل في السياسات العامة تعود إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.
تمهيد الأرضية لرئيسي
وشهد عهد روحاني سياسة انفتاح نسبي على الغرب أثمرت التوصل عام 2015 إلى اتفاق مع الدول الكبرى بشأن برنامج إيران النووي أتاح رفع العديد من العقوبات المفروضة عليها، مقابل خفض أنشطتها وضمان سلمية البرنامج.
لكن نتائج الاتفاق باتت في حكم الملغاة منذ قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب أحاديا منه عام 2018، وإعادة فرض عقوبات قاسية على إيران انعكست سلبا على اقتصادها وقيمة عملتها المحلية.
وتأتي الانتخابات في ظل امتعاض واسع جراء الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت بها بشكل أساسي العقوبات وسياسة «الضغوط القصوى» التي اعتمدها ترامب حيال الجمهورية الإسلامية.
كما تترافق مع مباحثات في فيينا بين إيران والقوى الكبرى سعيا لإحياء الاتفاق، لكن فرص التوصل لتفاهم بهذا الشأن قبل الانتخابات تبدو قليلة.
وخلال الأعوام الماضية، شهدت مدن إيرانية موجتي احتجاجات (شتاء 2017-2018 ونوفمبر 2019) على خلفية أسباب اقتصادية، اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
ويقول الباحث الفرنسي كليمان تيرم المتخصص بالشأن الإيراني في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا، لوكالة فرانس برس، إن التحدي الأول في الانتخابات هو «جعل النظام (السياسي) أكثر تماسكا بعد إضعاف البلاد».
ويضيف «في مواجهة الفقر المتزايد بين الشعب، بات الأمر يتعلق - بعد إمساك (المحافظين) بالبرلمان في 2020 - بتمهيد الأرضية من أجل فوز المرشح رئيسي».
وعلى رغم أن الانتخابات الإيرانية أفضت مرارا إلى نتائج غير متوقعة، يرى تيرم أن أي سيناريو مغاير لفوز رئيسي في 2021 هو أمر «مستبعد»، عازيا ذلك بشكل أساسي إلى نسبة المشاركة المتوقعة في الانتخابات، وهي دون 40 بالمائة، وفق تقديرات استطلاعات الرأي القليلة التي أجريت محليا.
الامتناع يرضي «الأعداء»
وفي مواجهة حملات نظمت على مواقع التواصل الاجتماعي خارج إيران لحضّ الناخبين على الامتناع عن التصويت، دعا خامنئي أكثر من مرة الإيرانيين إلى المشاركة المكثفة.
وحثّ المرشد مواطنيه على «تجاهل» دعوات المقاطعة، معتبرا أن الامتناع يلبّي رغبة «أعداء إيران وأعداء الإسلام وأعداء الديمقراطية الدينية».
كما حضّ المرشحين على التركيز على الوضع الاقتصادي في حملاتهم وبرامجهم.
وبعدما استبعد مجلس صيانة الدستور المخوّل البت في أهلية المرشحين، أسماء بارزة يتقدمها الرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، رأت وسائل إعلام محلية أن الطريق بات ممهدا أمام رئيسي الذي يتولى رئاسة السلطة القضائية منذ العام 2019.
ويعتبر رئيسي المقرب من خامنئي، الأبرز أيضا بين المرشحين المحافظين المتشددين.
وتضم قائمة هؤلاء القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي الذي يخوض محاولته الانتخابية الرابعة (خسر في 2009 و2013، وانسحب قبل أيام من انتخابات 2005)، والأمين السابق لمجلس الأمن القومي سعيد جليلي الذي حل ثالثا في 2013 بنيله 11,4 بالمائة من الأصوات.
وهناك مرشحان آخران من المتشددين، أمير حسين قاضي زاده هاشمي وعلي رضا زاكاني، غير معروفين على نطاق واسع.
وينطبق الأمر نفسه على المرشحَين الإصلاحيين، عبد الناصر همتي الذي تولى حاكمية المصرف المركزي إلى حين تقدمه للانتخابات، ومحسن مهر علي زاده الذي كان نائبا للرئيس السابق محمد خاتمي.
ولم يحظ هذان المرشحان بدعم التحالف الأساسي للتيار الإصلاحي في إيران.
وفي حال لم يتمكن أي من المرشحين من نيل الغالبية المطلقة (أكثر من 50 بالمائة)، تجرى دورة اقتراع ثانية في 25 يونيو، يتنافس فيها المرشحان اللذان نالا أعلى عدد من الأصوات في الدورة الأولى.
وإضافة إلى انتخاب رئيس جديد، يقترع الإيرانيون لتجديد المجالس البلدية.
وتعتبر إيران قوة كبرى في الشرق الأوسط، لكنها تواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية تعود بالدرجة الأولى للعقوبات التي أعادت واشنطن فرضها بعد انسحابها الأحادي من الاتفاق النووي قبل ثلاثة أعوام.
من الإمبراطورية إلى الثورة
إيران هي وريثة الإمبراطوريّة الفارسيّة، وحكمتها أسرة بهلوي على مدى أكثر من نصف قرن.
في 1925، وبعد إعلان رضا خان شاها جديدا لإيران، اتخذ لنفسه اسم بهلوي. وفي 1941، تخلى عن العرش لابنه محمد رضا.
في 1953، وقع انقلاب بدعم من واشنطن ولندن، أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق بعدما قام بتأميم قطاع النفط الذي كان يهيمن عليه آنذاك البريطانيون.
في 1963، أطلق آية الله الخميني ثورة ضد إصلاحات للشاه لتحديث البلاد. بعد عام، أمر محمد رضا بطرد زعيم المعارضة الدينية بعد اتهامه بالقيام بمحاولة انقلاب.
في يناير 1978، انطلقت حركة احتجاجات وتظاهرات مناهضة للحكومة اتسعت وازدادت حدتها في النصف الثاني من ذلك العام.
في 16 يناير 1979، فرّ الشاه من البلاد وعاد الخميني إلى طهران في الأول من فبراير بعدما أمضى 15 عاما في المنفى، ولقي استقبالا شعبيا حاشدا.
في الأول من أبريل، أُعلنت الجمهورية الإسلامية، وأصبح الخميني أول مرشد أعلى لها، وخلفه بعد وفاته في 1989، آية الله علي خامنئي.
النظام السياسي
يحظى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الذي ينتخب مدى الحياة، بالكلمة الفصل في السياسات العامة والشؤون الدينية، وفق الدستور.
وتعود لمجلس الخبراء صلاحية تعيين المرشد والإشراف على عمله وإقالته إذا استدعى الأمر.
ويقوم الرئيس المنتخب بالاقتراع العام، بتشكيل الحكومة. وانتخب الرئيس الحالي حسن روحاني عام 2013 قبل إعادة انتخابه في 2017.
وتعتبر صلاحيات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) محدودة مقارنة بمؤسسات أخرى مثل مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 عضوا يعيّن نصفهم المرشد الأعلى.
ترتكز القوات المسلحة على مؤسستي الجيش والحرس الثوري. ووفق الدستور، يتولى الأول «مسؤولية الدفاع عن استقلال البلاد ووحدة أراضيها وعن نظام الجمهورية الإسلامية فيها»، بينما يقوم الثاني الذي تأسس بعيد انتصار ثورة 1979 بـ«حراسة الثورة ومكاسبها».
الاتفاق النووي
أبرمت إيران عام 2015 اتفاقا مع ست قوى كبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، وألمانيا) بشأن برنامجها النووي الذي شكّل مصدر توتر لأكثر من 12عاما.
وهدف الاتفاق إلى ضمان الطابع السلمي للبرنامج النووي، لقاء رفع العديد من العقوبات المفروضة على طهران.
لكن في مايو 2018، سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بلاده أحاديا من الاتفاق باعتباره متساهلا حيال إيران، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها في إطار ما عرف بسياسة «الضغوط القصوى» التي اعتمدتها إدارته حيال طهران.
وردت الأخيرة بالتراجع تدريجيا اعتبارا من 2019، عن تنفيذ غالبية التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
وفي ظل عزم الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن على إعادة بلاده إلى الاتفاق بشرط عودة إيران إلى التزاماتها، تستضيف فيينا منذ أبريل 2021، مباحثات غير مباشرة بين الطرفين لإحياء الاتفاق.
انكماش اقتصادي
تملك إيران، العضو المؤسس في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ثاني احتياطات للغاز في العالم بعد روسيا، ورابع احتياطات نفطية مثبتة عالميا.
لكن اقتصاد البلد يعاني من تضخم شديد ونسبة بطالة مرتفعة، زادتهما سوءا معاودة واشنطن فرض العقوبات على القطاعين المالي والنفطي الإيرانيين، ما تسبب أيضا بتراجع حاد في قيمة صرف العملة المحلية (الريال).
وتأثرت الجمهورية الإسلامية بشكل حاد بفيروس كورونا، وهي البلد الأكثر تأثرا بكوفيد 19 في الشرق الأوسط.
وفي ما يأتي الأحداث الرئيسية التي شهدتها إيران منذ الثورة التي أسقطت نظام الشاه وحكم أسرة بهلوي، وأسست الجمهورية الإسلامية في العام 1979:
إعلان الجمهورية الإسلامية
في الأول من فبراير 1979، عاد الإمام الخميني إلى إيران من منفاه بعد نحو أسبوعين من مغادرة الشاه محمد رضا بهلوي البلاد إلى المنفى في أعقاب احتجاجات واسعة ضد نظامه.
في الأول من أبريل، أُعلن قيام الجمهورية الإسلامية.
أزمة الرهائن الأميركيين
في الرابع من نوفمبر 1979، اقتحم طلاب إسلاميون السفارة الأميركية في طهران، مطالبين بإعادة الشاه إلى بلاده بعد إدخاله المستشفى في الولايات المتحدة.
احتجز الطلاب 52 دبلوماسيا وموظفا في السفارة لفترة 444 يوما، تخللها في السابع من أبريل 1980، قطع واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع طهران وفرض حصار تجاري عليها.
الحرب العراقية الإيرانية
في 22 سبتمبر 1980، شنّ العراق حربا ضد إيران بعد انسحاب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين من اتفاقية الجزائر عام 1975 حول شط العرب.
امتدت الحرب التي تعرف في إيران باسم «الدفاع المقدس»، ثمانية أعوام وأودت بحياة مئات الآلاف في الجانبين.
انتهت في 20 أغسطس 1988 باتفاق وقف إطلاق نار برعاية الأمم المتحدة.
المرشد خامنئي
بعد وفاة الخميني في الثالث من يونيو 1989، انتخب آية الله علي خامنئي الذي كان يتولى رئاسة الجمهورية منذ أكتوبر 1981، مرشدا أعلى وقائدا للثورة.
في يوليو 1989، انتخب المحافظ المعتدل أكبر هاشمي رفسنجاني رئيسا، وأعيد انتخابه لولاية ثانية في 1993.
أشرف رفسنجاني، أحد أبرز الوجوه السياسية في الجمهورية الإسلامية، على سياسة انفتاح نسبي حيال الغرب وقاد عملية إعادة الإعمار بعد حرب العراق.
عهد محمد خاتمي
في 23 مايو 1997، انتخب الإصلاحي محمد خاتمي رئيسا للجمهورية، وواجه معارضة شديدة من السياسيين المحافظين على امتداد عهده (حتى 2005).
وخلال ولايته الأولى، شهدت إيران في يوليو 1999 احتجاجات واسعة تخللتها مواجهات بين الشرطة وطلاب.
«محور الشر»
في 29 يناير، صنّف الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إيران ضمن «محور الشر» مع العراق وكوريا الشمالية، واتهمها بدعم «الإرهاب» والسعي لحيازة أسلحة دمار شامل.
حقبة أحمدي نجاد
في 25 يونيو، فاز محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية، وعرف بمواقفه المثيرة للجدل والشعبوية.
استأنفت إيران في عهده تخصيب اليورانيوم، مثيرة قلق دول غربية اشتبهت في سعيها لتطوير سلاح نووي، وهو ما تنفيه طهران حتى اليوم.
أثارت إعادة انتخابه في 2009 احتجاجات واسعة النطاق اعتمدت السلطات الشدة في التعامل معها.
روحاني والاتفاق النووي
تلى انتخاب رجل الدين المعتدل حسن روحاني في 15 يونيو 2013 رئيسا، تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة ودول العالم، خصوصا الغربية منها.
توصلت إيران إلى اتفاق مع الدول الكبرى بشأن برنامجها النووي في 14 يوليو 2015، أتاح رفعا جزئيا للعقوبات الاقتصادية عنها مقابل قيود على برنامجها النووي وضمان سلميته، بعد توترات بشأنه امتدت 12 عاما.
انسحاب أميركي من الاتفاق
في الثامن من مايو 2018، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده من الاتفاق النووي وأعاد فرض عقوبات على إيران، في سياق سياسة «ضغوط قصوى» لإدارته حيال طهران.
وبعد عام، بدأت إيران تدريجيا بالتراجع عن التزاماتها الأساسية المنصوص عليها في الاتفاق.
دفعت العقوبات الأميركية المتجددة الغالبية العظمى من المستثمرين الأجانب إلى الخروج من إيران التي خسرت أيضا غالبية مستوردي نفطها.
في أبريل 2021، بدأت طهران والقوى الكبرى إجراء مباحثات سعيا لإحياء الاتفاق، في ظل عزم الرئيس الأميركي جو بايدن على إعادة بلاده إليه لقاء تنفيذ طهران التزاماتها.
احتجاجات
شهدت مدن إيرانية عدة احتجاجات في نوفمبر 2019 بعد إعلان رفع أسعار الوقود.
واستخدمت السلطات الشدة في التعامل مع الاحتجاجات، وأعلنت رسميا أنها أدت إلى وفاة 230 شخصا. لكن منظمات غير حقوقية قدّرت سقوط عدد أكبر من الضحايا، مثل منظمة العفو الدولية التي أفادت عن مقتل 304 أشخاص.
وأتت هذه الاحتجاجات في أعقاب تظاهرات شهدتها مدن إيران في شتاء 2017-2018.
copy short url   نسخ
12/06/2021
492