+ A
A -
عندما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن دعم إدارته لفكرة التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا، سارعت ألمانيا برفض الفكرة، فماذا يعني التنازل عن براءة الاختراع؟ وما فائدته في حرب الوباء؟
بدأت قصة الجدل بشأن براءات الاختراع الخاصة بلقاحات كورونا، الأربعاء 5 مايو، عندما أعلن بايدن فجأة أن إدارته تؤيد التنازل عن براءات الاختراع، وهو ما رحبت به منظمة الصحة العالمية، واعتبرته خطوة هامة على طريق محاربة وباء كورونا. لكن ألمانيا أعلنت رفضها التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا، معتبرة أن تلك الخطوة لن تؤدي إلى زيادة إنتاج اللقاحات، لكن ستكون لها تداعيات سلبية خطيرة في المستقبل.
ماذا تعني براءة الاختراع للقاحات؟
قبل الدخول في تفاصيل وجهتي النظر الأميركية والألمانية وموقف شركات الأدوية والأطراف الأخرى، دعونا نتوقف عند براءة الاختراع نفسها وما تعنيه للقاحات والأدوية بشكل عام، ولقاحات كورونا بشكل خاص، وهي النقطة التي تهمنا جميعاً الآن. براءة الاختراع هي حق الملكية الفكرية الذي تمتلكه شركات الدواء واللقاحات التي تجري الأبحاث والتجارب وتتوصل إلى «وصفة اللقاح»، وهذا الحق يمنع الشركات الأخرى من إنتاج نسخ من نفس اللقاح دون موافقة الشركة المطورة له، وبالطبع الموافقة هنا تتطلب مبالغ طائلة. هذه هي الفكرة العامة ببساطة، ونظراً لأن تلك الأبحاث والتجارب التي تسبق عملية التوصل لوصفة اللقاح هي عملية مكلفة للغاية، فإن براءة الاختراع هنا تحفظ للشركة صاحبة «الوصفة» حقوقها المالية والأدبية، ولكن في ظل أزمة كورونا التي تهدد العالم أجمع تقدم عدد من الدول بمقترح إلى منظمة الصحة العالمية، يقضي بتنازل شركات الأدوية الكبرى والدول المتقدمة عن براءات الاختراع الخاصة بلقاحات كورونا، بهدف مساعدة جميع الدول على إنتاجها دون الاضطرار لدفع مليارات لا تمتلكها للشركات صاحبة براءات الاختراع تلك.
متى ظهر مقترح التنازل عن براءات اختراع اللقاحات؟
مع التفشي القاتل والمخيف لفيروس كورونا حول العالم أواخر عام 2019، واستناداً إلى مخاوف وجيهة من هيمنة الدول الغنية على تصنيع لقاحات كورونا، تقدَّمت الهند وجنوب إفريقيا، في أكتوبر من العام الماضي، باقتراح إلى منظمة الصحة العالمية يقضي بتنازل شركات الأدويــــــة واللــــقاحات عن حقوق براءات الاختراع الخاصــــــة بتصنيع لقاحات كورونا وغيرها من التقــــــنيات التي تشملها عملية الإنتاج.
ورغم أن القرار حصل على دعم أكثر من 100 دولة ناشئة، فإنه واجه معارضــــــة من نـــــــادي الـــــدول الأكثر ثراءً، ومنها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا والاتــــحاد الأوروبي.
ولكن الآن تغير الموقف الأميركي بعد أن أعلنت إدارة بايدن أنها بصدد تغيير موقفها، وأنها تدعم التنازل عن حقوق براءات اختراع لقاحات كورونا، لكن ليس عن براءات اختراع العلاجات أو التقنيات الأخرى المستخدمة لمكافحة المرض.
ولا يعني تغيّر موقف واشنطن أن التنازل عن براءات الاختراع يصبح سارياً بشكل تلقائي، إذ لا بد أن توافق منظمة التجارة العالمية بالإجماع على هذا التنازل، وبالتالي فإن رفض ألمانيا يعني ببساطة أن هذا لن يحدث.
لماذا ترفض ألمانيا التنازل عن براءة اختراع اللقاحات؟
دعونا أولاً نتوقف عند سبب الرفض الألماني للتغير في الموقف الأميركي، فقد قالت متحدثة باسم الحكومة الألمانية: «اقتراح الولايات المتحدة برفع حماية براءات الاختراع للقاحات فيروس كورونا له آثار كبيرة على إنتاج اللقاح ككل».
كما أضافت أنَّ «العوامل التي تحد من إنتاج اللقاحات هي القدرات الإنتاجية ومعايير الجودة العالية وليست براءات الاختراع»، مشيرة إلى أنَّ الشركات تتعاون بالفعل مع شركاء لتعزيز قدرات التصنيع، فيما أكدت المتحدثة: «حماية الملكية الفكرية هي مصدر للابتكار ويجب أن تظل كذلك في المستقبل».
وعلى الجانب الآخر قال وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن إنَّ التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا مجرد واحدة من مجموعة متنوعة من الوسائل التي تنظر فيها الإدارة لتكثيف النضال لاحتواء الوباء.
وفي تصريح لقناة MSNBC الأميركية خلال زيارة إلى أوكرانيا، أضاف بلينكن: «الشيء الأهم هو أن علينا تسريع هذه الجهود، بالنظر إلى المسار الراهن، ما لم نفعل المزيد.. ما لم يفعل العالم بأسره المزيد، فلن يُلقَّح سكان العالم حتى عام 2024، لكن يمكننا تسريع الأمور، وإنجاز الهدف، في وقت أقصر بكثير في رأيي، وإذا نجحنا في ذلك فسنكون جميعاً في وضع أفضل».
هل يكفي التنازل عن براءة الاختراع؟
نشطاء الصحة المعنيون بتوزيع أكبر لإمدادات اللقاح أشادوا بالقرار الأميركي ووصفوه بأنه «بطولي» و«مزلزِل» في تأثيره، علاوة على أنه قد يصبح سابقة تُستدعى بعد ذلك لدعم التنازل عن حقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراع لمعالجة مزيدٍ من الأزمات الصحية في المستقبل.
لكن نفس هؤلاء النشطاء أوضحوا أن هذا القرار بمفرده لا يكفي للاضطلاع بمهـــــــمة معالجــــــة النـــــقص العالمي في لقاحات كورونا لعدد من الأسباب، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
أبرز تلك الأسباب هو أن اللقاحات ترتكز إلى تركيبات معقدة للغــــــــاية، وكما رأينا طوال هذا العام، فإن شركات ذات خبرة كبــــــيرة واجــــــهت مشكلات جمة في توسيع نطاق إنتاجها للقاحات، والمقصود أن عملية التصنيع لا تقل تعقيداً وجسامة عن «وصفة تركيب» اللقاح الحاصلة على براءة اختراع، ولا تملك منظمة التجارة العالمية سلطةَ إجبار شركات مثل «فايزر» أو «موديرنا» على مشاركة التقنيات والخبرات المستخدمة لإنتاج لقاحاتها.
ومع ذلك فإن الحكومات الوطنية لديها هذه السلطة، ويمكن للولايات المتحدة أن تأخذ بزمام المبادرة في هذا السياق عن طريق دفعِ شركات الأدوية لديها ليس فقط لمشاركة براءات الاختراع، بل والتقنيات والخبرات، مع الشركات المصنعة للقاحات في جميع أنحاء العالم.
وفي انتقاد للتأخر الحاصل في هذه الخطوة، قالت إيلين ت. هوين، وهي محامية وخبيرة طبية وناشطة في مجال الملكية الفكرية، للصحيفة البريطانية، إن المضي قدماً في هذه الخطوة الآن «لـــــــن يؤدي إلى إنتاج مزيد من اللقاحات بحــــــلول الأسبوع المقبل، لكن لو كانوا فعلوا ذلك قبل عام لكنا نجني ثمار ذلك الآن».
وقالت إيلين أيضاً إن مشاركة التقنيات والخبرات مع الشركات المصنعة في جميع أنحاء العالم من شأنه تيسير إنتاجِ وتوزيع اللقاحات لمحاربة مزيد من الأوبئة المستقبلية التي يخبرنا العلماء أن وقوعها شبه مؤكد، وتضيف: «لم يكن العالم مستعداً لمواجهة وباء مثل كورونا، وكانت نتيجة ذلك الصدمة التي استيقظنا لنجدها أمامنا».
أين يقف قطاع صناعة الأدوية من الجدل؟
ربما ليس من المستغرب أن يعارض هذا القطاع بشدة مشاركة براءات الاختراع التي من المتوقع أن تربِح الشركات الحائزة لها عشرات مليارات الدولارات على مدى السنوات المقبلة، ومع ذلك، فإن هيئاتهم التجارية تقول إن معارضتها لمشاركة براءات الاختراع لا تتعلق بالربح، بل بافتقار هذا الاقتراح إلى العملية والنجاعة.
وقال «الاتحاد الدولي لجمعيات ومنتجي الأدوية» (IFPMA) في بيان: «إن التنازل عن حقوق براءات اختراع لقاحات كورونا لن يؤدي إلى زيادة إنتاجها، ولن يوفر الحلول العملية اللازمة لمواجهة هذه الأزمة الصحية العالمية». وتجادل روابط منتجي الأدوية بأن الشركات قد شاركت بالفعل التقنيات مع شركات أخرى مؤهلة في جميع أنحاء العالم، ومن ثم يمكنها أن تنتج مليارات اللقاحات هذا العام -وهو ما يكفي لتطعيم سكان العالم- إذا ساعدتهم الحكومات في تخفيف الحواجز التجارية وإزالة القيود المفروضة على تصدير المواد الخام المطلوبة لإنتاج اللقاحات، كما يقولون إن الدول الغنية تخزِّن أيضاً كميات كبيرة من اللقاحات، وإذا وافقت على مشاركتها بإنصاف فستكون الأزمة أقل حدة. وعلى نطاق أوسع، تجادل تلك الروابط بأن حقوق براءات الاختراع ضرورية لتحفيز الابتكار والاستثمار الذي يقود إلى منتجات جديدة. ويحتجون بأن العالِم إذا سيطر عليه الخوف من أن يصبح إنتاج الدواء أو اللقاح المعجِز الذي تكبَّد المشاق من أجله حقٌّ فوري ومجاني للمختبرات والمصانع في جميع أنحاء العالم، فإن هذا العالِم سينقص لديه الدافع لبذل الجهد من أجل تطوير عمله وتجاربه. لكنّ عدداً كبيراً من النشطاء يقولون إن هناك كثيراً من الأدلة على أنه، حتى في غياب دافعِ الربح، سيظل العلماء متحفِّزين للابتكار. وقد طُوِّر بالفعل لقاح «أسترازينـــيكا-أكسفورد» بتمويل عام وخيري بنسبة 97 % على الأقل، وفقاً لإحدى الدراسات. كما أن العمل على تطوير تقنيات mRNA، الذي اعتمد عليه لقاحا «فايزر» و«موديرنا»، كانت تموِّله لســـــــنوات أمـــــــوال دافعي الضرائب، وذلك قبل أن تستعين بها شركات الأدوية وتعمل على تطويرها في منتجاتها، بحسب تقرير الصحيفة.
الخلاصة هنا هي أن التنازل عن براءات اختراع لقاحات كورونا خطوة هامة على طريق تكثيف الجهود لمواجهة الوباء والإسراع بعملية القضاء عليه، لكنها خطوة تتطلب إجماعاً من نادي الدول الغنية، وهو غير متوفر حالياً في ظل الرفض الألماني، كما أنها خطوة واحدة لا بد أن تتبعها خطوات أخرى تتمثل في نقل الخبرات والتقنيات المتطورة من الشركات والدول الغنية إلى الدول الفقيرة.
copy short url   نسخ
14/05/2021
487