+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي أستاذ التفسير وعلوم القرآن كلية الشريعة جامعة قطر [email protected]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الطمع يدل على رجاء قويّ في القلب للشّيء، ولمّا كان أكثر الطّمع من الهوى قيل: الطّمع طبع، والطّمع يدنّس الإهاب، ويقال في التّعجّب:
طمع الرّجل (بضمّ الميم) أي صار كثير الطّمع، والطمع أيضا رزق الجند. وفي قول الله تعالى: (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) معناه كما يقول أبو حيّان: يتيقّنون ما أعدّ الله لهم من الزّلفى، وقوله سبحانه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) قال القرطبيّ: معناه: أرجو، وقيل هو بمعنى اليقين في حقّه، وبمعنى الرّجاء في حقّ المؤمنين سواه. قال الأزهريّ: الطّمع ضدّ اليأس. وفي حديث عمر- رضي الله عنه-: «تعلّمنّ أنّ الطّمع فقر، وأنّ اليأس غنى. ويقال: ما أطمع فلانا على التّعجّب من طمعه، ويتعدّى الفعل بالهمزة لا بالتّضعيف. قال ابن منظور: وأنكر بعضهم التّشديد (أي أن يقال طمّع)، وإنّما يقال: أطمعه غيره (أي إنّ التعدّي يكون بالهمزة)، والمطمع: ما طمع فيه، والمطمعة: ما طمع من أجله، وامرأة مطماع: تطمع ولا تمكّن من نفسها، والمطمع: ما طمعت فيه، وفي الحديث: «اللهمّ إنّي أعوذ بك من طمع يهدي إلى طبع، ومن طمع في غير مطمع».
قال الرّاغب: نزوع النّفس إلى الشّيء شهوة له، وقال المناويّ: الطّمع تعلّق البال بالشّيء من غير تقدّم سبب له، وأكثر ما يستعمل فيما يقرب حصوله، وقد يستعمل بمعنى الأمل. وقال بعضهم: الطّمع ذلّ ينشأ من الحرص والبطالة والجهل بحكمة الباري.
وإنّ الطّمع بمعنى الرّجاء في رحمة الله وتوقّع الخير، أمر محمود، وهذا ما فعله نبيّ الله إبراهيم- عليه السّلام- عندما قال الله على لسانه: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ). وامتدح الله- عزّ وجلّ- من يدعونه خوفا وطمعا، ووعدهم بما تقرّ به أعينهم. قال تعالى: (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).
أمّا إذا كان الطّمع في حطام الدّنيا من مال عارض أو منصب زائل، أو جاه حائل، فإنّ ذلك كلّه مذموم خاصّة إذا صدر ممّن له حقّ فيه، وهذا دأب المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصّدقات (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) يقول الإمام ابن تيميّة: وهكذا كان حال من كان متعلّقا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل سخط فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل. والعبوديّة في الحقيقة هي رقّ القلب وعبوديّته، فما استرقّ القلب واستعبده فهو عبد لهذا. ويقال: (الطمع فقر، واليأس غنى، وإنّ أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه) وهذا أمر يجده الإنسان في نفسه.
فإنّه الأمر الّذي لا ييأس منه، ولا يطلبه ولا يطمع به، ولا يبقى قلبه فقيرا إليه ولا إلى من يفعله وأمّا إذا طمع في أمر من الأمور ورجاه تعلّق قلبه به فصار فقيرا إلى حصوله وإلى من يظنّ أنّه سبب في حصوله وهذا في المال والجاه والصّور وغير ذلك.
قال الخليل إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فالعبد لا بدّ له من رزق، وهو محتاج إلى ذلك، فإذا طلب رزقه من الله صار عبدا لله فقيرا إليه، وإن طلبه من مخلوق صار عبدا لذلك المخلوق فقيرا إليه.
copy short url   نسخ
13/05/2021
995