+ A
A -
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري
خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية
انتهت صلاحية المثل الشعبي الذي رددناه مئات السنين ويقول «الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر»، إذ باتت الفرص تتوالى تباعا في مجالات كثيرة وفي الصدارة منها مجال الاستثمار في تطبيقات الهواتف الذكية، ونراها تتكرر في كل وقت وحين، ولم يعد خافيا على أحد أن التكنولوجيا الرقمية وما يترتب عليها من وجود هذه التطبيقات قد غيرت الكثير في حياتنا بشكل جذري، حتى أصبح من السهل الحصول على الخدمات بمختلف أنواعها عن ذي قبل بفضل التطبيقات، بدءا من استخراج بطاقات الهوية وجوازات السفر ومستندات الأحوال المدينة والتجارة الالكترونية والخدمات الإخبارية والفعاليات الثقافية والترفيهية والسياحة والسفر وحتى قراءة الكتب إلخ.. وذلك عن طريق ضغطة واحدة فقط، والتصفح بين ملايين التطبيقات المتواجدة على الهواتف، ولكن هل سألت نفسك يوما عما اذا كان الاستثمار في هذه التطبيقات يحقق أية أرباح مادية لأصحابها أم لا ؟.
الجواب مبدئيا: نعم، يحقق أرباحا خيالية وفرص الثراء قائمة بيننا وماثلة أمام أعيننا في انتظار من يستغلها، فالاستثمار في التطبيقات التي يقوم الناس بتحميلها على الهواتف الذكية أو أجهزة الحاسب الآلي مكَّن كثيرا من الشباب كي يكونوا من أصحاب الملايين، كما ساعد كثيرا من الشركات التي كانت على حافة الإفلاس لتربح عشرات المليارات، كل هذا دون الحاجة إلى رأس مال كبير، فرأس المال الحقيقي هنا هو الإنسان، وما حوى من عقل يفكر ويبتكر ويبدع، ويستعد للاندماج في العصر الرقمي بتعلم لغة البرمجة التي هي لغة المستقبل، فلم يعد تعلمها مجرد أمر اختياري بل بات في حكم الإجباري، لذلك سعت دول كثيرة حول العالم إلى تأسيس مدارس تقوم بتدريس لغات البرمجة كلغة ثانية، ومن خلال استخدام لغة البرمجة هذه يمكن تطوير البرامج والتطبيقات المختلفة وإنشاء الكثير منها لخدمة الأهداف الشخصية في الاستثمار، أو تلبية لاحتياجات المستخدمين الآخرين.
ولأنني أدرك جيدا أن لدينا نماذج شبابية تتمتع بطموحات لا تنتهي عند سقف محدد، لكنها في حاجة إلى من ينير لها دربها ويعبِّد لها طريقها، أحاول بقدر الإمكان إلقاء الضوء على كيفية الاستثمار في التطبيقات أو على الأقل أشرِّع أمامها الأبواب على أفق جديد من أفاق الاستثمار الذي سيكون له شأن كبير على المدى القريب والبعيد، فالتطبيقات وُجدت في بادئ الأمر كنشاط تجاري يقوم على جني المال والرغبة في تحقيق الثراء، حتى وإن كان يوجد منها ملايين تبدو في ظاهرها أنها مجانية، فمن المؤكد أن لها أوجه استفادة لدى الاشخاص القائمين عليها، وهناك أمثلة ونماذج واقعية تدل على ذلك، حيث يوجد العديد من الشركات العالمية التي كانت الواحدة منها في بداية أمرها مجرد تطبيق يستخدم على الهاتف، ولكنها انتشرت على مستوى ملايين المستخدمين حول العالم، ومن أمثلة هذا انستجرام وسناب شات وأوبر وغيرها.
ولكن قبل أن أبدأ في شرح كيفية بدء الاستثمار في هذا المجال أرى ضرورة لإلقاء الضوء على بعض الاحصائيات المتعلقة به حتى نكون على بينة من أهميته، ففي الولايات المتحدة وحدها بلغ حجم الاستثمار في التطبيقات 2 تريليون دولار، وفي الاتحاد الأوروبي بلغ 790 مليارا، وفي الصين 850 مليار دولار، وفي الدول العربية لا توجد إحصائية بحجم هذا الاستثمار، لكن يقدره بعض خبراء المال بحوالي 150 مليارا، غير أنه توجد إحصائية بحجم الإنفاق على تكنولوجيا المعلومات على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأكملها، تقول إنه من المتوقع أن يصل إلى 171 مليار دولار في عام 2021، بزيادة قدرها 4.5 في المائة عن عام 2020، وذلك بحسب تقارير شركة جارتنر للبحوث والاستشارات العالمية، ولأن العالم في سباق مع الزمن كل من يريد التفوق في هذا المجال، وبحسب تقارير نفس الشركة سيعزز مديرو تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من إنفاقهم على الخوادم والتطبيقات وبرمجيات البنية التحتية في عام 2021.
وأعود الآن إلى ما نوهت عنه قبل قليل حول كيفية الاستثمار في التطبيقات التي تُعرَّف بأنها برامج كمبيوتر مبرمجة على القيام بعدد من المهام، وهي مخصصة لأجهزة الهواتف الذكية والكومبيوتر اللوحي، وعددها لا حصر له سواء تطبيقات أجهزة الأندرويد أو أجهزة الآيفون، وتنقسم للعديد من التصنيفات مثل التطبيقات الموسيقية والألعاب والتواصل الاجتماعي وممارسة التمارين الرياضية وشراء المنتجات الكترونيا وتطبيقات التعليم الحر والتثقيف والإعلام والسياحة... إلخ.
وبداية الاستثمار المربح فيها يكون بتصميم وتنفيذ التطبيق على الهاتف من خلال الاستعانة بمهندس متخصص في أنظمة الاندرويد أو IOS وتحديد شكل وتصميم التطبيق ونوعه والهدف منه والمتطلبات التي يمكن أن تتواجد به، وكيفية تشغيله والتعامل معه حتى يقوم بتنفيذ وبرمجة التطبيق، أو أن يتم إنشاء التطبيق على الهاتف بدون برمجة وهذه النوعية من التطبيقات غير مجدية، لذلك ننصح بالاستعانة بأحد محترفي تصميم هذه التطبيقات حتى يتم بناؤه بشكل سليم.
وبعد إنشاء التطبيق تأتي طرق تحقيق الأرباح وهي متعددة ومتنوعة منها الإعلانات وذلك من خلال التعاقد مع وكالات إعلانات متخصصة في نشر الإعلانات والدعاية على التطبيقات المختلفة، وهي كثيرة وتبادر من تلقاء نفسها بالاتصال بأصحاب التطبيقات، ويتم تحقيق الربح من مشاهدات المستخدمين لهذه الاعلانات والتفاعل معها، ويتحقق الربح أيضا من خلال الاشتراك الشهري أو السنوي ومن أمثلة هذه التطبيقات تلك التي توفر البرامج التليفزيونية والغنائية وتطبيقات الأفلام والتي وتتيح مشاهدة مجانية للفيديوهات لمدة شهر مثلًا ولكن بعد ذلك يتوجب الدفع للاستفادة أكثر من التطبيق ومن أشهر التطبيقات في هذا المجال تطبيق «شاهد»، واذا استطعت أن تمتلك أحد التطبيقات المتميزة والمبتكرة والتي تم الترويج لها بشكل جيد وانتشرت على نطاق أوسع فيمكن أن بيعه لإحدى الشركات الكبرى، وخير مثال على ذلك صفقة استحواذ فيسبوك على واتساب والتي بلغت قيمتها 21 مليون دولار في واحدة من أكبر صفقات الاستحواذ في مجال الاستثمار في التطبيقات.
لا يمكن حصر أوجه الربح في مقال واحد لكن يكفي القول بأن من أكثر التطبيقات تحقيقا للثراء ولست من المشجعيين للاستثمار في تطبيقات الألعاب حيث يتم إغراء المستخدم كبيرا كان أو صغيرا بالحصول على بعض الأدوات المستخدمة في اللعبة مقابل دفع المال حتى يتميز ويتفوق على باقي المنافسين له، وتزيد من نقاطه داخل اللعبة، وأصبح هذا الأسلوب شائعا جدًا في تطبيقات الهواتف الذكية الخاصة بالألعاب والتي عن طريقها حقق مصمموها مبالغ وأرباحا هائلة جدا سجلتهم في قائمة الاثرياء، إذ لا يشغل بالهم إلا جمع الملايين حتى لو كان ذلك على حساب أرواح الأطفال اللاعبين، لأن العديد من هذه التطبيقات تقود المتعاملين معها إلى الانتحار أو ارتكاب العديد من الجرائم.
لا أختم حديثي دون التطرق إلى التطبيقات التي صممها شباب قطريون، فنجاحها وانتشارها وتفوقها أثبت أن دولة قطر تعد بيئة خصبة لنمو الاستثمار في التطبيقات، حيث يوجد 94 % من القطريين يقتنون الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية، ويوجد بها عقول نيِّرة ومهارات وكفاءات ومبتكرون اثبتوا وجودهم وبادروا بإنشاء تطبيقات جذبت كثيرا من المستخدمين في وقت وجيز، ومن هذه التطبيقات شبكة قروب قطر ونديب ومرسال قطر كلها تقوم بتغطية إخبارية لكل ما يجري في الدولة وذلك من خلال معالجة تحريرية مستنيرة، فضلا عن تقديم النصائح والتوجيهات والخدمات المتعددة، وتطبيق السنونو الذي يتعامل مع مئات المتاجر ويقدم خدمات متنوعة لا تقف عند حدود التجارة الالكترونية فقط، وماركتي وتطبيق صفحات للكتب المسموعة وغيرها مثل رفيق وكيراج، ولعلنا نتذكر قيام 30 طالبا وطالبة بتصميم تطبيقات ناجحة في عام 2018، وغيرهم العشرات إن لم يكن المئات الذين نجحوا في الاستثمار في التطبيقات، ولكن لا يزال كثير من الشباب الطموح في حاجة إلى حاضنات وبيئات جاذبة لهم لإطلاق العنان لطموحاتهم في هذا المجال، وتحقيق المزيد من الإبداع، فالكثير من الشباب القطري قد أسهم بشكل كبير في خلق هذه الفرص الاستثمارية خلال السنوات الأخيرة، وقدموا نماذج يحتذى بها في المغامرة والإقدام وريادة الأعمال، خاصة بعد أن تحولوا بشكل واضح من الثقافة القائمة على الاستهلاك إلى تبني ثقافة الإنتاج والابتكار، لذلك نرى من المسؤولية التي تقع على عاتق الشركات المحلية المساهمة في دعم هؤلاء الشباب المبدعين والاستفادة من ابتكاراتهم وإبداعاتهم الاستثمارية حتى نضمن حجز مكان لائق في سوق التطبيقات وإعلاء شأن الاقتصاد الرقمي القطري عالميا ًبما لدينا من إمكانات.
copy short url   نسخ
10/05/2021
6699