+ A
A -
منال عمر عبده كاتبه سودانية
هو الانتظار.. هناك أشياء انتظارها أجمل من حضورها، ففي الانتظار نسرح بأحلامنا وخيالنا بعيدا، فنبني آمالا وقصورا نحن سادتها، نزينها بورد إحساسنا، ونضع فيها عطر مشاعرنا، كم من فرحة تدخل قلوبنا ونحن ننتظر غائبا، ففي الانتظار أمل لقادم أجمل لحياة أكثر تفاؤلا بكل ما ينعش دواخلنا.
ولكن الانتظار له أيضا وجه آخر، وجه تتمزق فيه الأنفس ويموت الزمن، أما المستقبل فيرتكز على مقدمات واضحة، لكنه قد يحمل لنا نهايات متناقضة غير معروفة.
ساعات ونحن ننتظر، ننتظر دقات قلب لفرح مفاجئ، انتظار خبر يضيء عتمة الغموض، وحبيب خيالي عاش بداخلنا وقتا طويلا فقدومه كأنه انتظار الضوء في آخر النفق.
الانتظار أن لا أحد يأتي في موعده، فهو يشبه الجلوس على صفيح ساخن أعاد عقارب ساعته اليدوية إلى الوراء لكي يخفّف بذلك عن نفسه عذاب الانتظار.
الانتظار يصيبنا بالهوس، برصد كل الاحتمالات الكبيرة، ففي حضرة الانتظار يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض، في انتظار أن تلبس الحقيقة ثوب الظهور، في حضرة الغياب سيرى العابرون إلى قلوبنا كيف هو الجفاء وكيف سيفقد اللقاء رونقه بعد كل هذا الانتظار.
يجب أن لا نضيع ما هو ممكن، من الانتظار ما هو مستحيل، إن الانتظار عبارة عن مراكمة الصدأ على أجسادنا ومشاعرنا، فكم من انتظار كان سببا في ضياع أحلى لحظات من عمرنا.
إن ظلال الانتظار يغطي على تفسيرات الوصول، فتصبح حياتنا انتظارا مؤجلا، فيجب أن يكون انتظارنا عبارة عن شد لقوس الوقت حتى تحين لحظة القرار، فما أصعب أن تكون في انتظار ملامح من تعرف بين أكوام من لا تعرف.
إننا نحن من ندخل أنفسنا في صندوق الانتظار ثم نضيق الخناق علينا، ويصبح الصندوق أصغر والرؤية أضعف والحياة مستحيلة، لكن متى ما خرجنا من إطار الانتظار سندهش لما فاتنا ونأسف للوقت الذي مضى، هي حياة رديفة الإرادة، فإما صندوق الانتظار أو طريق ضلال، ولا يسعنا إلا أن نحسن الاختيار.
الانتظار لا يعني الأمل، لكنه مرادف له، مع الأمل نعمل ونجتهد لكي يقترب منا هدفنا الذي ننتظره، فليكن انتظارنا دائما محددا بوقت بهدف نعمل عليه ولأجله حتى لا يسرق عمرنا ولحظاتنا ونحن ننتظر.
copy short url   نسخ
08/05/2021
427