+ A
A -
وتم إقرار تخليد الذكرى الأليمة من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، ثم صدر في يونيو مرسومها في الجريدة الرسمية «عرفانا للتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري في مجازر 8 مايو 1945 وخلال اندلاع الثورة التحريرية في الفاتح من نوفمبر 1954».
واعتبر الرئيس تبون حينها أن ما تعرض له الشعب الجزائري طيلة 132 سنة من الاستعمار (1830-1962) ومنها مجازر سطيف وقالمة وخراطة، «جرائم ضد الإنسانية» لا تسقط بالتقادم.
كما أعلن بمناسبة إحياء الذكرى في 2020 عن «إطلاق قناة تليفزيونية وطنية خاصة بالتاريخ، تكون سندا للمنظومة التربوية في تدريس هذه المادة التي نريدها أن تستمر حية مع كل الأجيال». وفي نوفمبر بدأ فعلا بث قناة الذاكرة المتخصصة في تاريخ الجزائر.
ويتضمن برنامج اليوم الوطني للذاكرة ندوة بعنوان «الجرائم الاستعمارية في العالم، جريمة 8 مايو 1945 نموذجا» بالإضافة إلى معرض تاريخي من تنظيم متحف المجاهد (محاربو الاستقلال) بسطيف.
وبحسب وزارة المجاهدين سيتم تنظيم مسيرة تجوب شوارع مدينة سطيف تحاكي المسيرة التاريخية ليوم 8 مايو 1945 وصولا إلى المعلم التذكاري المخلد لمكان سقوط الكشاف بوزيد سعال أول ضحية في الأحداث. وفي هذا اليوم تحولت الاحتفالات بانتصار الحلفاء على النازية، إلى تظاهرة مطالبة باستقلال الجزائر، تعرضت لقمع دموي على يد القوات الاستعمارية ما أسفر عن آلاف القتلى.
جريمة ضد الإنسانية
وبينما يتحدث الجزائريون عن 45 ألف قتيل، ذكر المؤرخون الفرنسيون أن عدد القتلى يتراوح بين بضعة آلاف و20 ألفا، منهم 103 من الأوروبيين.
وبعيدا عن الخلاف حول الأرقام فإن تدريس تاريخ الجزائر من بداية الاستعمار إلى الاستقلال مرورا بكل المقاومات حتى حرب التحرير (1954-1962)، يبقى من اختصاص الدولة.
ويأتي إحياء «اليوم الوطني للذاكرة» في وقت بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأشهر الأخيرة سلسلة «إجراءات رمزية» في محاولة «لمصالحة الذاكرة» بين ضفتي البحر المتوسط، خاصة مع اقتراب الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال الجزائر.
وكلف ماكرون المؤرخ الفرنسي المتخصص في حرب الجزائر بنجامان ستورا اعداد تقرير سلمه له في يناير وتضمن عدة اقتراحات في هذا المجال. لكن التقرير لم يلق الترحيب في الجزائر.
وبحسب مصدر فرنسي مقرب من الملف فإن «سياسة الاعتراف التي التزم بها الرئيس ماكرون ستستمر، وسيتم تنفيد توصيات عدة جاء بها تقرير ستورا».
وتبقى مسألة الذاكرة من اهم الملفات في العلاقات بين المستعمر السابق والجزائر.
وتعرضت هذه العلاقات لضربة جديدة بعد أن ألغت الجزائر الزيارة التي كانت مقررة في أبريل لرئيس الوزراء الفرنسي جون كاستكس، في أخر لحظة.
وفي الأيام التي تلت الغاء الزيارة وصف وزير العمل الجزائري الهاشمي جعبوب فرنسا بأنها «العدو التقليدي والأبدي للجزائر».
واعتبر إيمانويل ماكرون، أول رئيس فرنسي مولود بعد نهاية الحرب، تعليقا على هذا التصريح ان إرادة المصالحة بين الفرنسيين والجزائريين «مشتركة بشكل واسع» رغم وجود «بعض المقاومة» في الجزائر.
وفي فبراير 2017 عندما كان مرشحا لرئاسة فرنسا، زار ماكرون الجزائر ووصف في تصريح للصحافة احتلال الجزائر بأنه «جريمة ضد الإنسانية» و«بربرية حقيقية» ما تسبب له في انتقادات واسعة من اليمين الفرنسي.
وتعود هذه الذكرى إلى الثامن من مايو 1945، فخلال الاحتفالات بانتصار الحلفاء على النازية، قمعت القوات الفرنسية الاستعمارية تظاهرة مطالبة باستقلال الجزائر، ما أسفر عن آلاف القتلى في منطقة سطيف، على بعد 300 كيلومتر شرق الجزائر العاصمة.
في سطيف، مدينة فرحات عباس، مؤسس حزبي الاتحاد الشعبي الجزائري وأحباب البيان والحرية، الذي يدعو إلى المساواة وحصول المسلمين على الجنسية الفرنسية، تجمع حشد من ثمانية آلاف إلى عشرة آلاف شخص للاحتفال بالنصر، بدعوة من الاتحاد الشعبي وحزب الشعب الجزائري المحظور لرئيسه مصالي الحاج.
ولأول مرة ظهر بجانب العلم الفرنسي، العلم الجزائري الأخضر والأبيض تتوسطه هلال ونجمة حمراوان. وبعد الهتاف لانتصار الحلفاء، بدأت تتعالى صيحات «تحيا الجزائر المستقلة».
صدر أمر من نائب عمدة المدينة بإزالة اللافتات، لكن الكشاف المسلم الشاب بوزيد سعال رفض إنزال العلم الجزائري، فاندلعت الاشتباكات وأطلق شرطي النار وقتل الشاب البالغ من العمر 26 عاما. فسادت حالة من الذعر بين المتظاهرين وكانت بداية أعمال الشغب.
وانقلب غضب المتظاهرين الجزائريين على المواطنين الفرنسيين. وكان رد الحكومة الموقتة للجنرال ديغول، قمعا بلا رحمة قاده الجنرال دوفال.
وتم إعلان الأحكام العرفية مع حظر للتجول ومنع لأي حركة تنقل على مسافة 150 كلم من سطيف وحتى الساحل. كما تم اعتقال قادة الحركة الوطنية.
ونفذت القوات الفرنسية عمليات إعدام أعضاء من الكشافة ومدنيين خارج القانون لمجرد الاشتباه فيهم. قرى بأكملها (تضم 5 إلى 10 آلاف نسمة) تم قصفها بالطائرات وإحراقها للاشتباه في إيوائها دعاة الاستقلال. وقتل النساء والأطفال والشيوخ.
وخلال 15 يومًا، تم تنفيذ 20 قصفا جويا ضد السكان، وتدمير 44 قرية، بينما تم إزالة مداشر (قرى معزولة في الجبال) بالكامل.
وبحسب الرواية الرسمية في التاريخ الجزائري، فإن «المجازر» خلفت 45 ألف قتيل، بينما ذكر المؤرخون الغربيون أن عدد القتلى راوح بين 15 و20 ألفا، منهم مائة من الأوروبيين.
وفي نوفمبر 1945، استمرت الاعتقالات وصدرت ونفذت أربعة آلاف حكم إعدام.
وكتب الجنرال دوفال إلى الحكومة الاستعمارية: «لقد ضمنت لكم السلام لمدة عشر سنوات، والأمر متروك لكم لاستخدامه في المصالحة بين المجموعتين». وبالنسبة للبعض، فإن الحلقة الأولى من حرب الجزائر، التي اندلعت عام 1954 وانتهت باتفاقيات إيفيان واستقلال الجزائر عام 1962، قد بدأت فعلا في 1945. وفي عام 2005، اعترف السفير الفرنسي بالجزائر رسمياً بأن هذه المجازر كانت «مأساة لا تغتفر». وبعد عشر سنوات، في عام 2015، شارك وزير الدولة الفرنسي للمحاربين القدامى جان مارك توديشيني في إحياء ذكرى المجازر في الجزائر، ووضع إكليلا من الزهور عند النصب التذكاري لبوزيد سعال أول قتيل في الثامن من مايو 1945.الجزائر- أ. ف. ب- تحيي الجزائر، اليوم، لأول مرة «اليوم الوطني للذاكرة» المصادف للذكرى الـ76 لمجازر الثامن مايو 1945 عندما قمعت القوات الفرنسية الاستعمارية تظاهرة مطالبة باستقلال الجزائر، ما أسفر عن آلاف القتلى في شرق البلاد، بينما تنتظر الجزائر اعتذارات فرنسا على «جرائمها الاستعمارية».
وتجرى المراسم الرسمية تحت شعار «الذاكرة تأبى النسيان» في مدينة سطيف (300 كلم شرق الجزائر العاصمة) التي شهدت قمع القوات الاستعمارية لتظاهرة تطالب باستقلال الجزائر بمناسبة احتفال الحلفاء بالنصر على النازية في الحرب العالمية الثانية.
copy short url   نسخ
08/05/2021
257