+ A
A -
جورج شاهين كاتب لبناني
طارت الجلسة السادسة من المفاوضات لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل التي كان يرغب الراعي والمسهل الأميركي في عقدها عندما وجّه الدعوة إلى الجانبين إلى محادثات تمتد ليومين. وإن كان السبب الظاهر هو رفض الوفد اللبناني العودة إلى منطقة الـ 860 كيلومتراً فإنّ هناك أسبابا أخرى سدّت الطريق إلى المفاوضات. والأخطر أن «وصل الوفد اللبناني المفاوض إلى «نص البير، وهناك من قطع الحبل به»؟. فكيف تم التوصل إلى هذه المعادلة؟
لم يكن أحد من المراقبين العارفين بكثير من تفاصيل ما جرى في جلسة المفاوضات الخامسة غير المباشرة يتوقع أن تستمر المفاوضات لتنتقل إلى السادسة منها. فالشروط الأميركية والإسرائيلية التي كبّلت الوفد اللبناني في الجولة الثانية منها بعد ظهر أمس أعطت انطباعاً بعدم قدرة الوفد اللبناني على الاستمرار في المفاوضات في ظل التعنت الذي واجهه بالعودة إلى ما كان قائماً عام 2012 بالنسبة إلى المنطقة المتنازع عليها، وهو لم يكن مستعداً لهذه المواجهة لألف سبب وسبب ومنعاً لوقوعه في حال من التناقض أوصَلته اليها القيادة السياسية للمفاوضات ووضَعته في موقف حرج جداً.
وبعيداً من الكلام المنمّق الذي تستخدمه السلطة السياسية في بياناتها الرسمية التي تتحكم بالمفاوضات الجارية، فقد ظهر أنّ الأسباب التي أوصلت المفاوضات إلى هذه المرحلة تكمن في موقف الوفد اللبناني الذي جهد في إعادة شرح الظروف التي أدت إلى تمسّكه بالخط الجديد المؤدي إلى النقطة 29 وفقاً لما نصت عليه اتفاقية البحار ومختلف الإحداثيات العلمية التي استند إليها، ولم يكن قادراً على الدفاع عنه لسبب بسيط مفاده أنّ النقطة 29 ليست مسجلة لدى الدوائر المعنية في الأمم المتحدة، وأن الترتيبات التي اتخذت لتعديل المرسوم 6433 لم تكتمل فصولاً.
إن تعمّقَ العارفون في البحث عن الأسباب المخفية على جزء من اللبنانيين التي عطلت المفاوضات وأعاقت الوفد اللبناني عن تحقيق ما أراده من حقوق لبنان البحرية يكتشفون أنّ السبب هو في إصرار القيادة السياسية التي تدير المفاوضات على استخدام المرسوم 6433 في سوق المقايضات الدبلوماسية اللبنانية - الأميركية سواء للعودة عن العقوبات السابقة التي فرضتها الإدارة الأميركية في حق عدد من المسؤولين، وإن فشلت هذه الخطة من أجل لجمها عن اتخاذ مزيد منها بعدما تحدثت السيناريوهات المتداولة على نطاق ضيق في إمكان فرض مزيد منها على فريق من المستشارين والمسؤولين في مواقع عدة.
ثمة من يعتقد أن الدخول في مرحلة المقايضات ستكون له تأثيراته السلبية على مهمة الوفد العسكري المفاوض، وهو أمر لن يصبّ إلّا في مصلحة الجانب الإسرائيلي الذي وفّرت له المواقف اللبنانية المترددة الأخيرة فرصة إضافية ثمينة لاستكمال الخطوات التي ينوي القيام بها للبدء في استثمار حقل «كاريش» في يونيو المقبل، فتتحول خطوته هذه أمرا واقعا جديدا ليس من السهل تجاوزه. فلبنان يتخبّط في أزماته السياسية والحكومية تاركاً الوفد المفاوض بلا قاعدة رسمية داعمة، ولن ينفع الدعم الشعبي والإعلامي في توفير ما يمكن أن توفره المواقع التي أناط بها الدستور صلاحيات رعاية المفاوضات مع أي دولة خارجية حتى النهايات الضامنة لها.
وإلى هذه الأسباب المتعددة الوجوه، ثمة رأي آخر ينزع عن المفاوضات الجارية الجوانب التقنية والعسكرية والعلمية ليضعها في الميزانين السياسي والدبلوماسي، فالتجارب السابقة أظهرت أنّ قوة القانون المحلي والدولي ومعهما المنطق عاجزة عن مواجهة «منطق القوة» الذي يستخدمه العدو الإسرائيلي فكيف ستكون عليه الحال إن ثبت انحياز الجانب الأميركي إليه في الشكل الذي ظهر في الجلسة الأخيرة؟
ومن دون عناء في البحث عن النتائج المقدرة فإنّ ما هو مرتقب يثير القلق على مصير المفاوضات، والأخطر إن انسحب على حق لبنان بالمنطقة الإضافية التي سعى إليها الوفد المفاوض. هذا عدا عن النتائج المرتقبة لمثل هذه الأجواء غير المريحة. وعليه، سيطرح سؤال وجيه مفاده: ماذا ستكون عليه ردات الفعل على فشل المفاوضات؟ ومن يضمن حق لبنان بالمناطق الإضافية؟ وهل علينا أن ننساها لتسديد أثمان سياسية آنية تضيع الحقوق اللبنانية؟ وماذا سيكون عليه الوضع في حال وصلنا إلى المرحلة التي يستذكر فيها الوفد اللبناني نظرية «وَصّلتونا لنص البير.. وقطَعتوا الحبلة فينا». وهو ما ستترجمه الأجوبة المجهولة - المعروفة على مجموعة الأسئلة هذه؟.
copy short url   نسخ
08/05/2021
262