+ A
A -
السياسات عابرة والجمهورية الفرنسية باقية، وستظل فرنسا رغم القوسين الاستعماريين هي أم ميثاق حقوق الإنسان وحاضنة حركات التنوير الفكري، وسيتجاوز المجتمع الفرنسي محنة انحراف بعض أحزابه نحو اليمين العنصري وانحراف بعض شبابه نحو التطرف.
أذكر سنة 1987 أنه عين الرئيس (فرنسوا ميتران) صديقه السياسي الكبير ورئيس حكومة فرنسا الأسبق (إدغار فور) رئيسا للجنة الوطنية لإحياء الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية (1789- 1989) فراسلته وكنت أيامها معيدا باحثا في جامعة السوربون مع أستاذنا المستشرق الشهير (دومينيك شوفالييه) راجيا إياه أن يقبل تعييني مسؤولا عن تحرير الجزء المتعلق «بتأثير الثورة الفرنسية في حركات الإصلاح والتنوير في العالم الإسلامي»، وقبل بسرعة وصارحني بالهاتف أنه لم يفكر في هذا الجانب الأساسي في الثورة الفرنسية، وبالفعل كلفني بكتابة البحث في هذا المحور الهام والتقينا مرات عديدة.. وهو شخصية متميزة ثرية لأنه هو الذي عينته الحكومة الفرنسية بأن يكون ممثل فرنسا في المحاكمة الشهيرة لزعماء النازية الألمان في مدينة (نورنبورغ) الألمانية وهو صديق حميم للزعيم بورقيبة وآخر قادة الرأي والسياسة في الجمهورية الرابعة الفرنسية.
تذكرت هذا الحدث القديم بمناسبة العودة القوية لملف الجالية المسلمة في فرنسا وتنافس الحزب الحاكم فيها مع المعارضة اليمينية العنصرية في استقطاب الناخبين على حساب الحقائق والتاريخ استعدادا لرئاسيات 2022. ووقع تدريجيا تحويل قضية الجالية المسلمة بسبب جريمة عنصرية معزولة إلى أدق القضايا اليوم في الانتخابات القادمة.
اليوم نحن نعيش في مجتمع فرنسي مختلف تماما عن ذلك الذي درسنا في جامعاته، نشأ لدى المواطن الفرنسي خوف لا من الإرهاب بل من الإسلام ذاته، وهو شعور استغلته التيارات اليمينية العنصرية المتطرفة التي تريد تدليس التاريخ وطمس الحقائق وأولها أن المسلمين ساهموا في تحرير فرنسا من الإحتلال النازي الألماني سنة 1944، كما ساهم المسلمون المهاجرون في الستينيات في بناء أغلب البنية التحتية الفرنسية من طرقات سريعة وجسور وسدود وحفر أنفاق المترو تحت الأرض وحسب إحصائيات وزارة الصحة الفرنسية توفي من هؤلاء جراء الأشغال الشاقة حوالي 15 ألف مسلم مهاجر بسبب الثلوج والعمل الشاق وهشاشة الوضع العام من مأكل وسكن وانعدام اللباس الواقي..
ثم إن فرنسا لا تنكر أن من بين أبناء الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين آلافا ممن ساهموا في فوز فرنسا ببطولات أولمبية في الرياضات كلها، وفي إشعاع الثقافة الفرنسية من كتاب كبار وسينمائيين موهوبين وفنانين متميزين، كما ساهموا بكفاءاتهم العالية في إنعاش الاقتصاد الفرنسي والصناعات والطب وغزو الفضاء، وهم مواطنون مندمجون في قيم الجمهورية لكن أغلبهم يشعرون بانتمائهم إلى الإسلام السمح المتعايش مع قيم الجمهورية وأخلاقها واحترامها للدستور والقانون.أحمد القديدي
كاتب تونسيعربي 21
copy short url   نسخ
07/05/2021
354