+ A
A -
د. نازك بدير كاتبة وأكاديمية
عندما يصبح الفساد هو القاعدة والعدالة هي الاستثناء، سيكون مستغربا تصدي أحد القضاة لترسانة تهريب أموال المواطنين خارج البلاد، وكشف حقيقة التلاعب بسعر صرْف الدولار، وغيرها من الملفات أمام هذا المشهد، يكبر الشّرخ بين أهل الباطل وأهل الحق، لم تعد الأقنعة تُجدِ نفعًا؛ المواجهة باتت وجهًا لوجه في الصّفوف الأولى.
فمن أولى صفات القاضي: العدل، والحزم، والحكمة، والترفّع عن الخصومات، والجرأة، والصّدق، والنّزاهة، والأمانة، والاحتكام إلى الدّليل والبرهان والحجّة الدامغة، ومتى توفّرت له الأدلة، يمضي إلى تنفيذ حكمه مهما كانت التّحديّات، لا يخاف لومة لائم، ولا يرهبنّه زعيم أو مسؤول أو سلطة تهدّده بمنعه من مزاولة عمله. شرعيّته يستمدّها من الشّعب لا من سلطة أمعنت في سرقة خيرات بلدها، وتفنّنت في نهْب أموال المودعين.
القضاة النّزيهون يحاربون اليوم بلحمهم الحيّ في المعركة ضدّ الفساد، يمارسون فعليًّا الرسالة الحقيقية والدور الأساسي الذي يفترض أن يضطلع به القاضي ألا وهو الدّفاع عن حقوق النّاس المسلوبة، ومواجهة الفساد، أيًّا كانت الجهة الدّاعمة له، وعلى الرّغم من سيوف الغدر التي يتعرض إليها، سواء من الجسم القضائي نفسه بما يشكّله من رافعة داعمة لأقطاب في السّلطة، أم من جهات سياسيّة من مصلحتها استمرار عمليّات تهريب الأموال إلى الخارج، وعدم كشْف أسرار هذه المافيات الماليّة.
لعلّ متابعة قاضٍ ملفّ تهريب أموال إلى خارج البلاد قد يكون خبرًا عاديًّا في دولة أجنبيّة، لكن في لبنان تتمّ ملاحقة «القاضية» الممسكة بزمام الملفّ، وتتحوّل إلى متّهمة كونها تصدّت لفساد المافيا، وأعلنت الوقوف في وجه مَنْ «يُكتّف» المودعين.
هذه الخطوة الجدية في العمل القضائي، وإن تعرّضت للاغتيال المعنوي كونها ستفضح المتورطين من أرباب الفساد، وإن تم الإجهاز عليها وتطويقها، هذه الخطوة ستبقى بصمة ساطعة في جبين القضاء اللبناني كونها تحدّت فجور السّلطة.
أما أولئك الذين لا يملكون سوى الرداء الأسود من القضاء، فلن يرثوا من أسيادهم سوى التبعية والذّلّ والجبن والخوف، وهم في ميزان العدل خاسرون.
copy short url   نسخ
23/04/2021
729