+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الدعوة تكون مصدرا لقولهم: دعا فلان إلى كذا دعوة، وهو مأخوذ من مادّة (د ع و) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على: إمالة الشّيء إليك بصوت وكلام يكون منك، وجاء في الصّحاح يقال: دعوت فلانا، أي صحت به واستدعيته، ودعوت الله له وعليه دعاء، وتكون الدّعوة (أيضا) المرّة الواحدة من الدّعاء، وتكون أيضا الاسم من قولهم: دعا الرّجل دعوا ودعاء: قال ابن منظور والاسم الدّعوة.
والدّعاة: قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، واحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو النّاس إلى بدعة أو دين، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الله تعالى، وكذلك المؤذّن. وفي التّهذيب: المؤذّن داعي الله، والنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم داعي الأمّة إلى توحيد الله وطاعته.
قال العلّامة ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: إذا كانت الدّعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلّها وأفضلها فهي لا تحصّل إلّا بالعلم الّذي يدعو به وإليه، بل لا بدّ في كمال الدّعوة من البلوغ في العلم، إلى حدّ أقصى يصل إليه السّعي، ويكفي هذا في شرف العلم أنّ صاحبه يحوز به هذا المقام، والله يؤتي فضله من يشاء.
قال ابن كثير- رحمه الله- في قوله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ): أي دعا عباد الله إليه (وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ): أي وهو في نفسه مهتد بما يقول فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعدّ وليس هو من الّذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه وينهون عن المنكر، ويأتونه، بل يأتمر بالخير ويترك الشرّ ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى، وهذه عامّة في كلّ من دعا إلى خير وهو في نفسه مهتد، ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أولى النّاس بذلك. هي دعوة النّاس إلى الإسلام بالقول والعمل.
وذكر ابن القيّم- رحمه الله تعالى- قوله في معنى قوله تعالى: (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ) تبليغ الدّعوة إلى الله يكون بالقول وبالعمل وبسيرة الدّاعي الّتي تجعله قدوة حسنة لغيره فتجذبهم إلى الإسلام.
ولا بدّ أن يستعين الدّاعي إلى الله بأساليب الدّعوة الإسلاميّة، وهي: الحكمة. والوعظ عن طريق التّرغيب والتّرهيب. والجدل والحوار وإقامة الحجّة. والقدوة. والجهاد. والتّربية والتّعليم. واستخدام العلم ونظريّاته واكتشافاته. والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. والإعلام. والتّأليف والكتابة والتّحقيق والتّخريج. ودروس المساجد. والخروج إلى القرى والمساجد والمدن. والاهتمام بالعقل. الاهتمام بالرّوح وتزكية النّفس وأعمال البرّ.
ومن أسس الدعوة إلى الله الاستقامة على أمر الله: هي دعوة الإسلام إلى الاستقامة وجعلها أعلى المقامات. وأسلوبه في الدّعوة إليها أسلوب يستهوي الأفئدة ويؤثّر في النّفوس ويحملها على التزامها والتّعلّق بأهدابها. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي إنّ الّذين آمنوا بالله إيمانا حقّا واستقاموا على الطّريق الّذي رسمه لعباده فإنّ الملائكة تنزّل عليهم عند الموت قائلة لهم: لا تخافوا ممّا أمامكم من أهوال القبر ولا تحزنوا على ما تركتم وراءكم من أموال وأولاد وأبشروا بالجنّة الّتي وعدكم الله بها.
وإنّ هؤلاء الّذين قالوا ربّنا الله واستقاموا يتولّاهم الله برحمته ورضاه كلّما التزموا الاستقامة وساروا على الجادّة دون اعوجاج أو انحراف.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
22/04/2021
1864