+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الزكاة اسم لأخذ شيء مخصوص من مال مخصوص على أوصاف مخصوصة لطائفة مخصوصة وأصلها يدلّ على الزّيادة والنّماء، ويقال: الصّدقة زكاة المال، قال بعضهم: سمّيت بذلك لأنّها ممّا يرجى به زكاء المال، وهو زيادته ونماؤه، وقال بعضهم: سمّيت زكاة لأنّها طهارة، قالوا: وحجّة ذلك قوله جلّ ثناؤه: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)، والأصل في ذلك كلّه راجع إلى هذين المعنيين، وهما النّماء والطّهارة.
ويرى الرّاغب أنّ النّموّ فيها ناتج من بركة الله تعالى فيقول: «أصل الزّكاة: النّموّ الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيوية والأخرويّة يقال زكا الزّرع يزكو إذا حصل منه نموّ وبركة، ومنه الزكاة لما يخرج الإنسان من حقّ الله تعالى إلى الفقراء، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات، أولهما جميعا، فإنّ الخيرين موجودان فيها وقول الله تعالى: (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا)، معناه: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه وتزكية له، أقام الاسم (وهو الزّكاة) مقام المصدر (وهو التّزكية)، وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إنّما سمّيت الزكاة صدقة، لأنّه مأخوذ من الصدق في مساواة الفعل للقول والاعتقاد، وقال: مشابهة الصدق هاهنا للصدقة: أنّ من أيقن من دينه أنّ البعث حقّ، وأنّ الدّار الآخرة هي المصير، وأنّ هذه الدّار الدّانية قنطرة إلى الأخرى، وباب إلى السّوأى أو الحسنى عمل لها، وقدّم ما يجده فيها، فإن شكّ فيها، أو تكاسل عنها، وآثر عليها بخل بماله، واستعدّ لآماله، وغفل عن ماله.
ومن معاني الزكاة في القرآن أنها تأتي بمعنى الأقرب إلى المصلحة كما في قوله تعالى: (هُوَ أَزْكى لَكُمْ)، وبمعنى الحلال كما في قوله تعالى: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً)، وبمعنى الحسن واللطافة كما في قوله تعالى: (أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) أي ذات جمال، وبمعنى العلاج والصّيانة كما في قوله تعالى: (أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً)، وبمعنى الاحتراز عن الفواحش كما في قوله تعالى: (ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ)، وبمعنى الإقبال على الخدمة (أي الطّاعة) كما في قوله تعالى: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ)، وبمعنى التّوحيد والشهادة كما في قوله تعالى: (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى)، وبمعنى الثّناء والمدح كما في قوله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)، وبمعنى النّقاء والطّهارة كما في قوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)، وبمعنى أداء الزكاة الشرعية كما في قوله تعالى: (وَآتُوا الزَّكاةَ)، وأيضا قوله تعالى: (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ)، ولها نظائر كثيرة في القرآن.
فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، فيها تطهير المال من حقوق الغير فيه، وهي برهان صدق الإيمان، ووقاية للنّفس من شحّها، فهي سبب بركة المال ونمائه، وخيرها وبرّها راجع إلى المتصدّق نفسه أوّلا فالمال مال الله والعبد وكيل عليه يصرفه، حيث أمر سيّده ومالكه الحقيقي، فبإخراجها يؤدّي شكر نعمة المال، والمساعدة على حلّ معضلة الفقر التي أعجزت العالم المعاصر في تكليف الفقير بإخراج زكاة الفطر إذا كان يجد قوت يومه تربية له على خلق العطاء حتّى يستشعر عزّ العطاء بدلا من ذلّ الأخذ.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
19/04/2021
700