+ A
A -
لقد مرت كل تلك السنوات من دون ان يتعافى لبنان أو يخرج من كبوته، والشعب الذي يعيش هاجس تكرار تلك الحرب، وحده من يتكبد الخسائر البشرية والمادية، فالمنظومة السياسية لم تتعلم من دروس الماضي فيما الشعب يتحمل وزر ما ارتكبته وترتكبه اليوم بحق البلاد والعباد.
لعل افظع حدث مأسوي مر على اللبنانيين بعد تلك الحرب والحروب التي تحتها كان انفجار 4 أغسطس- اب من العام الماضي، فما لم تدمره مدافع وصواريخ الحرب الأهلية، دمره الانفجار، فالأضرار التي نجمت عنه طالت نحو 62 ألف وحدة سكنية و20 ألف مؤسسة تجارية، وقد لقي أكثر من 160 شخصا مصرعهم في الانفجار وأصيب نحو ستة آلاف آخرون.
قد يكون سرد كل ما تقدم مفيدا أمام انعدام الحس الوطني والانساني عند طبقة حاكمة امتهنت منذ زمن سياسة حافة الهاوية ولعبة شراء الوقت حتى تستفيد من التقاطعات الاقليمية والدولية لمآربها الذاتية والخاصة.
تفاقمت الأزمة الاقتصادية إلى أقصى الحدود، شرعت قطاعات الدولة ومواردها أمام عملية المحاصصة والنهب، الفساد بالتسويات رغم خطر الإفلاس الحقيقي، الدين العام حدث ولا حرج، أزمة الدولار تطيح بالنظام النقدي، الواقع المعيشي في اسوأ حالاته، مخالب الفقر تنهش أسرا عديدة وتنذر بخطر الفوضى الاجتماعية المتنقلة وعمليات القتل مع فلتان السلاح. فأحدث إحصاءات تشير إلى وصول البطالة في لبنان إلى أكثر من 35 في المائة، والفقر إلى 55 في المائة..
لا شك أن كل ما تقدم مرده الخلل القائم في النظام السياسي، في ظل التجاوزات الراهنة للدستور ربطا ببدع الاجتهادات التي خلقت اعرافا كثيرة ساهمت في إطالة أمد الفراغ في مؤسسات الدولة بفعل سياسة الكيدية والمحسوبية وغياب المراقبة والمحاسبة وارتباط الفساد السياسي بالمالي.
ولكن ايا يكن الانهيار الذي سيلحق بلبنان اليوم لا يهم، المهم عند المعنيين في الوقت الراهن الاستمرار في لعبة التراشق السياسي وتبادل الاتهامات وتقديم الشكاوى ضد بعضهم البعض أمام الموفدين العرب والاجانب إلى حين تحقيق المبتغى. وبالتالي فإن الحديث عن إصلاحات من هنا، وكشف عن فاسدين من هناك، لا يتعدى تسجيل كل فريق نقاطا في مرمى الآخر سواء في ملف التدقيق الجنائي أو الصلاحيات أو غيرها من الملفات التي تفتح عند الطلب وتقفل عندما تحين ساعة التسويات.
يبقى الأكيد ان لا افتراء في توجيه اصابع الاتهام إلى السلطة السياسية حيال ما يتعرض له لبنان اليوم من مشكلات اقتصادية ومالية ومعيشية، ولذلك من غير الجائر اعطاء براءة ذمة لأحد من المكونات السياسية الأساسية مما قد تصل اليه الأمور في الوقت الراهن، ليبقى الرهان في 13 نيسان على تغيير يعيد توجيه البوصلة ويعمل على قيام الدولة من جديد بعيدا عن إجراءات وافتراءات دفع ثمنها المواطن اللبناني. صحيح ان مسار التدقيق الجنائي أكثر من ضروري لكن لا بد من تشكيل حكومة اولا تدفع نحو تنفيذ الاصلاحات وتسيير امور الناس ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين.
بالتزامن مع الأزمات السياسية والمعيشية والصحية بدأ الاهتمام السياسي ينكبّ على مسألة إجراء الانتخابات النيابية الفرعية بعد شغور عدد لا بأس به من مقاعد مجلس النواب. لكنّ هذه الانتخابات تقتضي اجماعاً سياسياً لإجرائها ومن الواضح أن بعض القوى والاحزاب تتمنى حصولها في حين أن آخرين لا يرغبون بذلك.
وبحسب مصادر مطلعة، فإنه وقبل الدخول في المناوشات والكباش السياسي حولها، يبدو أن وزارة الداخلية غير متحمسة لإجراء الانتخابات الفرعية لأنها غير قادرة لوجستياً في ظل الاوضاع الراهنة وتحاول أن تمنع الوقوع في الأمر الواقع الذي قد تفرضه بعض القوى السياسية.
ولكن في المقابل، تبدو الاحزاب السياسية في الشارع المسيحي وخصوصا المعارضة للعهد متحمسة لخوض هذه الانتخابات، اذ ان حصولها برأيهم سيؤدي إلى إظهار الضعف الشعبي الكبير الذي يعاني منه التيار «الوطني الحر» ما ينتج عنه توجيه ضربة معنوية له ستؤثر عليه أيضا في الاستحقاق النيابي المقبل.
في المقلب الآخر، لا يبدو أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورغم حرصه الشديد على صلاحيات المجلس وتركيزه على اكتمال عدد أعضائه، مستعجل للذهاب إلى مثل هذه الانتخابات لأسباب مرتبطة بالسياسة بالتوازنات الداخلية، وهو حتى اللحظة لم يقف بشكل حاسم إلى جانب أي طرف من الاطراف بين راغب أو معارض.
اما التيار «الوطني الحر» فهو طبعا غير متحمس على الاطلاق لانه يخشى خسارة الاكثرية النيابية التي يتمتع بها اذ ان غالبية الاعضاء الذين شغرت مواقعهم في المجلس النيابي هم من الطائفة المسيحية وبالتالي فإن خسارة التيار لهذه المقاعد سيظهر انه ليس القوة المسيحية الاكبر في لبنان.
بل واكثر من ذلك فإن «الوطني الحر» وتحديدا النائب جبران باسيل قد يكون لديه تصوّر بأن يصار إلى انتخاب رئيس الجمهورية المقبل من قِبل المجلس الحالي، ويبدو العمل جاريا على تأجيل انتخابات 2022، ما يعني أنه سيسعى بكل قوته لتبقى التوازنات داخل مجلس النواب كما هي عليه اليوم من دون انتخاب أي نائب جديد سيكون حتما معارضا للتيار.
ويبقى الحزب «التقدمي الاشتراكي» الراغب بالذهاب إلى انتخابات فرعية لتعويض المقعدين الشاغرين في كتلته.
في موضوع التحقيق الجنائي يقول المحلل اللبناني أندريه قصاص إن من سرق الدولة وخزينتها على مدى أعوام لن تكون لديه الجرأة الأدبية لمحاسبة نفسه بنفسه. وأسارع إلى القول بعدم التلميح إلى أي جهة سياسية أو إلى أي مسؤول بالتحديد، بل تتوجه الأنظار إلى جميع الذين كانت لهم مساهمات في إيصال البلاد والعباد إلى ما وصلوا إليه من حالة اهتراء.
فالتحقيق الجنائي لا يمكن إلا أن يؤيده كل من «طارت» أمواله وتبخّرت بين ليلة وضحاها. ويطالب به كل من تضررّ من السياسات المالية التي رسمتها الدولة التي رهنت مصير ناسها بمخططات كرتونية سرعان ما انهارت مع أول عاصفة.
وحده «جحا» يصدّق أن هذا التحقيق الجنائي سيصل إلى نتيجة مرضية، وإلى كشف المستور، وإلى استرداد المودعين لودائعهم. فـ«جحا» الذي أطلق هذه الكذبة سرعان ما صدّقها.
وأضاف: نحاول بصدق أن نصدّق الذين وافقوا على قانون رفع السرية المصرفية، وعلى قانون السير بالتحقيق الجنائي، ولكن تاريخ بعض هؤلاء يشهد أنهم هم من كانوا السبب في إفقار الناس والبلد حتى الإفلاس، وهم الذين كانوا في وقت من الأوقات، إن لم نقل كل الأوقات، «حاميها حراميها»، فتمّ تهريب الأموال المسروقة من جيوب الناس وتهريبها إلى الخارج في ليلة ما فيها ضوء قمر، بالتكافل والتضامن بين المتورطين، خصوصًا أن لدى بعض المراجع المشهود لها أنها لم تلوث يديها بـ«مال حرام» إثباتات عن تورّط من لا يخطر على بال أحد.
لن يصدّق الشعب الذي ينفخ على اللبن لكثرة اكتوائه بالحليب أن من كان السبب في تعتيره سيكون المنقذ، ولن يثق بأن على ايدي هذه المنظومة الحاكمة والمتحكّمة بالرقاب سيكون الإنقاذ، فيما هي غير قادرة على تشكيل حكومة، يجمع الداخل والخارج على أنها الأمل الوحيد المتبقي للخروج من «جهنم».
ويتابع: لن ندخل في عملية الاتهام والاتهام المضاد والمباشر، لأنه من المفروض أن يكون الجميع تحت القانون وخاضعين لأحكامه، وأن يكون للقضاء اللبناني الكلمة الفصل وتحديد السارق والفاسد وتبرئة المتهمّ ظلمًا.
وهنا يجوز لنا ما لا يجوز لغيرنا في مجال تصنيف البريء الذي يبقى متهمًا حتى إثبات براءته، وهكذا تطمئن النفوس ويأخذ العدل مجراه الطبيعي، وتتكشف الحقائق أمام الرأي العام، وإن كنا ميالين إلى التشاؤم في ما خصّ الذهاب بهذا التحقيق إلى أبعد ما تحدثه القنابل الدخانية، التي تحجب الرؤية إلى حين، لتعود المشهدية إلى حقيقتها من دون أي مساحيق تجميلية.
نعتقد جازمين، مرّة بعد مرّة، أنه لم نرَ في تاريخ البشرية أن حاكم السارق نفسه بنفسه. صار بدّا ثورة حقيقية.
المحلل غسان ريفي قال في «سفير الشمال»: لا شيء في لبنان يوحي بأن الأزمات قد تسلك طريقها نحو الحل، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في المال ولا في الأمن ولا في لقمة العيش الذي بدأت الطبقات الفقيرة تستجديها عشية شهر رمضان المبارك، بل على العكس فإن كل الأمور توحي بأن الوضع إلى مزيد من الانزلاق وصولا إلى الارتطام الكبير الذي بات وشيكا وسيؤدي إلى تشظي البلد وانهياره بالكامل كيانا ودولة ومؤسسات ومسؤولين وشعبا. كل ذلك والمعنيون بتشكيل الحكومة يعيشون في «المريخ» أو «فوق سطح القمر»، ويؤكدون يوما بعد يوم أنهم يفتقدون إلى الحد الأدنى من الحس الوطني ومن المسؤولية المجتمعية، ويقدمون أنفسهم كذئاب يلهثون وراء فرائس من مصالح ومكاسب ومناصب، ولو كان ذلك على حساب الخراب الذي لن يكونوا بمنأى عنه.
بعد أكثر من خمسة أشهر على التكليف والتعطيل وذر الرماد في العيون وفتح الحروب الجانبية، والاتهامات المتبادلة والتجاذبات التي وصلت إلى درك مخزٍ أمام معاناة اللبنانيين، لا بد من الاشارة إلى سلسلة من الخلاصات حول الوضع القائم والذي وصل إليه كثير من المتابعين.
ـ لا حكومة في الأفق اللبناني حتى يحصل جبران باسيل على «الثلث المعطل» وما دون ذلك تضييع للوقت وإطالة لأمد الفراغ.
ـ لا توقيع على مراسيم حكومية من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون إذا لم يتم إرضاء جبران باسيل.
ـ جبران باسيل حوّل نفسه إلى رئيس الجمهورية الفعلي، بعدما وضع يده على كل المفاصل الأساسية في قصر بعبدا، وهو اليوم المتحكم الأوحد بتصرفات ومواقف وسلوك الرئيس عون.
-المستهدف الأول في لبنان اليوم هو اتفاق الطائف الذي خاض الرئيس عون حروبا ضارية لمنع إنجازه في العام 1989، ثم أقسم اليمين على الحفاظ عليه عندما انتخب رئيسا للجمهورية كونه دستور البلاد، ثم انقلب عليه عندما بدأ ممارسة مهامه من خلال محاولات ضربه وتعديله بالأعراف والممارسة والافتراء عليه بتضمينه مواد لا تمت إليه بصلة.
-حرب إلغاء جديدة تلوح في الأفق بين الرئيس عون والقوات اللبنانية بدأت بوادرها تظهر ببيانات نارية تحريضية تؤجج الشارع وتضاعف من الحقد بين الطرفين.
ـ حرب على صلاحيات رئيس الحكومة التي كفلها اتفاق الطائف من قبل فريق العهد الذي يريد إدخال الرئيس عون كشريك مضارب للرئيس المكلف في تشكيل الحكومة.
-حقد شخصي يسعى الحريري إلى تصفيته مع باسيل بتجاهله وعدم التعاطي معه وصولا إلى تعطيل أي تواصل أجنبي معه.
ـ التاريخ يعيد نفسه في الخلاف الكبير بين بكركي والرئيس عون، خصوصا بعدما حسم البطريرك الراعي الموقف بأن لا تدقيق جنائيا قبل تشكيل الحكومة، وذلك في إشارة واضحة إلى أن عون يطرح هذا الأمر لحرف الأنظار عن تشكيل الحكومة التي يسعى لاعطاء باسيل الثلث المعطل فيها تحت شعار الميثاقية ووحدة المعايير التي سخّفها الراعي، وهو بالتالي لم يسلم من «الصليات البرتقالية» التي انطلقت من قصر بعبدا وامتدت إلى ميرنا الشالوحي.
ـ تخبط ضمن حزب الله بين التحرر من حليفه ميشال عون وإنقاذ الوضع، أو دعم توجهاته على حساب الانهيار الكامل.
في غضون ذلك، فلتان أمني أفقي، سرقات تتنامى وصولا إلى السطو المسلح، لا سقف لارتفاع سعر صرف الدولار، أزمات في الخبز والمحروقات والكهرباء والدواء واللحوم، حجب كل أنواع المساعدات عن لبنان بانتظار تشكيل حكومة، والأخطر من كل ذلك قطع المصارف المراسلة علاقاتها المالية مع البنك المركزي وما يحمله ذلك من تهديد بعودة لبنان إلى العصر الحجري في تفاصيل حياته اليومية، إضافة إلى موت شعبه إما من المجاعة أو من فقدان الأدوية أو من التقاتل على كسرة خبز.
أمام هذا الواقع الأليم، ثمة من يسعى إلى طموحات حكومية وتطلعات رئاسية، في حين تشير كل المعطيات إلى أنه في وقت قريب لن يجد أي من المعرقلين لتشكيل الحكومة بلدا ليحكموه.مر 46 عاما على ذكرى 13 ابريل - نيسان 1975، حرب أهلية لم تنته رغم إصرار السلطة السياسية واحزابها على تكرار عبارة «تنذكر وما تنعاد» مع كل 13 نيسان. من عايش تلك المرحلة الاليمة من تاريخ لبنان يقول إن الساحة في 13 نيسان كانت مهيأة للانفجار، السلاح على قدم وساق، المتاريس الطائفية مستحكمة في النفوس عطفا عن عجز سياسي تجاه مآل الأوضاع، فالوقائع الميدانية هي التي ادارت الحركة السياسية يومذاك. ولا بد من التذكير أن حصيلة الحرب الأهلية في لبنان والتي استمرت 15عاما قدرت بـ 63 مليار دولار خسائر اقتصادية، 34 مليار دولار خسائر ناجمة عن الدمار الذي لحق بالمنشآت، 500 ألف شخص تمّ تهجيرهم من منازلهم، 184 ألف جريح، 150 ألف قتيل، 17500 مخطوف، 13 ألف مفقود، 2640 سيارة مفخخة.
copy short url   نسخ
13/04/2021
311