+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
سمّي شهر رمضان شهر الصّبر، وأصل الصّبر الحبس، ففي الصّوم حبس النّفس عن المطاعم وبعض اللذات، قال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)، وسمّي الصّائم سائحا لأنّ الذي يسيح في الأرض متعبّدا لا يكون له زاد فحين يجد يطعم، فالصّائم كذلك يمضي نهاره لا يطعم شيئا، قال تعالى: (الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ)، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتّى نقول لا يفطر، ويفطر حتّى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمل صيام شهر قطّ إلّا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان»، فيجب صيام رمضان برؤية الهلال، لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، ويكفي لثبوت رؤية الهلال شهادة مسلم عدل، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراءى النّاس الهلال فأخبرت رسول الله أني رأيته فصام وأمر النّاس بصيامه، رواه أبو داود والدارمي وغيرهما.
ويُجعل أمر الصيام في كل دولة إلى ولي الأمر العام للدولة، فإن حكم بالصيام أو عدمه وجبت طاعته، فإن لم يكن ولي الأمر مسلماً يُعمل بما يحكم به مجلس المركز الإسلامي -أو نحوه- في البلاد محافظة على الوحدة الإسلامية.
ويجوز الاستعانة بآلات الرصد في رؤية الهلال، ولا يجوز الاعتماد على الحسابات الفلكية ورؤية النجوم في إثبات بدء شهر رمضان أو الفطر وإنما يعتمد على الرؤية، كما قال تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، ومن شهد رمضان من المكلفين وجب عليه أن يصوم سواء طال النهار أو قصر.
والعبرة في بدء صيام رمضان في كل بلد برؤية الهلال في مطلعها على أرجح قولي أهل العلم، لاتفاق العلماء على أن مطالع الأهلة مختلفة، وذلك مما علم بالضرورة لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا شعبان ثلاثين يوماً»، أخرجه البخاري ومسلم.
يجب على الصائم أن ينوي الصيام من الليل، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث حفصة رضي الله عنها.
لا يحل لأحد ترك الصيام والإفطار أثناء الشهر إلا إذا كان معذوراً كأن يكون مريضاً أو مسافراً أو امرأة حائضاً أو نَفِساً أو حاملاً أو مرضعاً، قال تعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر)، فالمريض الذي يشق عليه الصيام ويصعب عليه الامتناع عن المفطرات ويتضرر منه يجوز له أن يفطر في رمضان ثم يقضي فيما بعد عدد الأيام التي أفطرها.
والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما فقط أفطرتا وعليهما القضاء بإجماع العلماء، لأنهما بمنزلة المريض الخائف على نفسه، أما إذا خافتا على نفسيهما وولديهما أو ولديهما فقط أفطرتا وعليهما القضاء، لحديث أنس مرفوعاً: «إن الله وضع عن المسافر نصف الصلاة والصوم، وعن الحبلى والمرضع»، رواه النسائي وابن خزيمة وهو حديث حسن.
وأما الشيخ الكبير والمرأة العجوز فيرخص لهما الفطر إذا كان الصيام يجهدهما ويشقّ عليهما مشقة شديدة، وعليهما أن يطعما عن كل يوم مسكيناً، لما روى البخاري عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: «(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) قال ابن عباس: ليست منسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكيناً».
السفر من الأعذار المبيحة للإفطار، لحديث أنس رضي الله عنه: «كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم»، متفق عليه.
فأروا الله من أنفسكم خيراً، واستقبلوه بخير ما بحضرتكم، بالبشر والسرور، والغبطة والحبور.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
11/04/2021
837