+ A
A -
فاطمة المزيعل
هناك الكثير من الأشخاص عاشوا حياتهم متذبذبين ضائعين، ولا زالوا على نفس هذا الرمق مستمرين، ضائعين ما بين حالات مختلفة من الحزن واليأس والخيبة وغيرها من الحالات، إلى أن صاروا بها غارقين، يرون ماضيهم في حاضرهم، وكأن الحياة بمجملها انتهت بالنسبة لهم.
وغالباً ما يعود السبب في ذلك إلى حد كبير لآثار ندباتهم وملامح انفعالاتهم، لذلك قد تجدهم بين حين وحين يتذكرون بعض تلك الأمور التي مروا بها، وذاقوا مرارتها، كعلاقات فاشلة مثلاً قد آلمتهم، أو كتجريح وخذلان أتاهم من أحب وأقرب الأشخاص إليهم، أو كبعض من تلك الافتراءات والأكاذيب التي وقعت عليهم، ممن أحبّوهم ووثقوا بهم، فانطووا على أنفسهم، إلى أن صارت تعبرهم الأيام والسنين وهم لا يزالون ينزفون أحبارهم على رصيف خيباتهم وخذلانهم، جالدين بسياط القسوة ذواتهم، ففقدوا فيما بعد لذة الحياة، والمتعة بأبسط مباهجهم واحتياجاتهم.
ولكن ما يفترض حدوثه فعلاً في مثل تلك المواقف هو أن لا تحمل نفسك ذنباً لا علاقة له بك بل بهم، وأن لا تعتقد حتى بمجرد الاعتقاد بأنك شخص غير جدير بالتقدير، وتستحق كل ما يحصل معك منهم، كي لا تظلم نفسك أكثر بسببهم.
فقط انسحب بكل هدوء ومن دون أدنى تردد غادرهم، واذهب بأحزانك وآلامك بعيداً عنهم، غادرهم وغادر كل من حطم فيك شيئاً جميلاً رائعاً، واطفئ بك وهجاً لامعاً يغايرهم.
غادرهم ولا تسمح لهم بإضعافك وإسكاتك، أو تعطهم الفرصة حتى بالاستهانة بك والانقاص من قدرك، وكن واثقاً بأنك أرقى بكثير منهم ومن تصرفاتهم، فسعادتك لا تتعلق بوجودهم حولك أو حتى باهتمامهم والتفاتهم إليك، ويكفي أن الزمان أثبت لك حقيقتهم، لذلك لا تتوقع أنهم في يوم ما سيستوعبون رجاحة فكرك، ورصانة عقلك، وصواب قناعاتك.
لذا لا تفكر لوهلة واحدة بأن تشاركهم حديثاً ما، أو تبحث حتى عن مكان يجمعك معهم، فقط تجنبهم قدر الإمكان، واعلم بأن ذاتك أغلى بكثير منهم، تجنبهم وتذكر بأنك لست بمجبر على أن تكون ودوداً ومتنازلاً للغاية معهم. فجميعنا خلقنا بتركيبة فريدة جداً، تركيبة وهبها الله سبحانه لنا، تخولنا مسايرة
جميع تحولات وتغييرات مجريات حياتنا، بضيقها وحزنها، تركيبة تعطينا القدرة الهائلة على التعايش والتأقلم حتى في أحلك ظروفنا، مهما خسرنا وفقدنا، مهما صدمنا من الداخل وتحطمنا، فلن تقف الحياة مكتوفة الأيدي عند أوجاعنا، وإن كان وجودهم يحرق كل إحساس جميل بنا، فمن الواجب أن يدركوا هم أيضاً تحمل مسؤولية تصرفاتهم اتجاهنا.
دعهم وكن قوياً بلجوئك إلى الباري سبحانه، دعهم وواصل وأكمل طريقك واجعلهم يتخبطون وجعاً ويتحسرون ألماً، من عدم اكتراثك وتجاهلك لهم، واعلم ان أتاك الحزن وأنت في أوج سعادتك، تأكد أنه ما أتاك إلا ليصقلك، ويعلمك ويختبر صبرك، ذلك الصبر الجميل، والذي من خلاله ستكتشف الشغف الكبير لأيام لم تأتك بعد.
copy short url   نسخ
10/04/2021
722