+ A
A -
مع حلول شهر رمضان، يتساءل كثير من المرضى المصابين بأمراض مزمنة ويتناولون علاجاتهم يومياً، مثل مرضى السكري أو الكلى، عن مدى قدرتهم على الصيام، وفي هذا الإطار يؤكد أطباء استشاريون من مؤسسة حمد الطبية أن تحديد ملاءمة المريض للصوم أو الإفطار، يعتمد على تقييم حالته الصحية من جانب طبيبه المعالج.
وبدوره ينصح البروفيسور عبد البديع أبو سمرة، رئيس إدارة الطب الباطني بمؤسسة حمد الطبية مرضى السكري بضرورة استشارة الطبيب المعالج، قبل البدء في الصيام من أجل ضبط مستوى السكر في الدم، وتجنباً لحدوث أي مضاعفات أثناء فترة الصوم، حيث يعتمد قرار الطبيب المعالج بالصوم من عدمه وفقاً لطبيعة حالة مريض السكري؛ فمرضى السكري من النوع الأول المعتمد علاجهم على الأنسولين وكذلك النساء الحوامل المصابات بالسكري ننصحهم بعدم الصيام تجنباً لحدوث مضاعفات خطيرة، أما مرضى النوع الثاني من السكري الذين ليس لديهم مضاعفات بالقلب ومضاعفات بالكلى فبإمكانهم الصيام مع اتخاذ بعض الاحتياطات؛ منها مراجعة الطبيب المعالج قبل بداية شهر رمضان بوقت كافٍ لتنظيم معدلات السكر بالدم ومراجعة جرعات الدواء وتنظيم أوقاتها بما يتناسب مع ساعات الصيام، كما يفضل تأخير وجبة السحور قدر الإمكان، والإكثار من شرب الماء بين وجبتي السحور والإفطار لتجنب الإصابة بالجفاف.
ومن أجل صيام آمن لمرضى السكري يؤكد البروفيسور أبو سمرة على ضرورة الحفاظ على نسبة السكر ضمن المعدل الآمن للشخص المريض من 80- 180 مجم/‏دسل بعد الإفطار، الالتزام بتناول وجبتي السحور والإفطار، وتأخير السحور قدر المستطاع مع تناول أكبر قدر من المياه بين وجبتي الإفطار والسحور لحماية الكليتين من التعرض للجفاف وضعف الأداء، ويجب أيضاً التقليل من تناول المنبهات كالشاي والقهوة والمشروبات الغازية، نظراً لاحتوائها على مادة الكافيين المدرة للبول مما يعرض الصائم لفقدان كميات كبيرة من السوائل، بالإضافة إلى تأجيل ممارسة الرياضة لما بعد الإفطار تجنباً لحدوث نوبات انخفاض السكر بالدم، كما أن الذهاب إلى المسجد يعد جزءًا من النشاط البدني والرياضي المسموح يومياً للمرضى خلال شهر رمضان.
ومن الضروري التأكد من فحص نسبة السكر في الدم عدة مرات في اليوم، خاصة في الأيام الأولى من الصيام وكذلك في أي وقت يشعر فيه المريض بانخفاض معدل السكر في الدم، مع تجنب النوم في الساعات الأخيرة من الصيام، كما يفضل مراجعة الطبيب، أو مثقف السكري عدة مرات خلال شهر رمضان لإجراء التعديلات الضرورية في أدوية السكرى أو أي أدوية أخرى يتناولها المريض.
صيام مريض الكلى
ومن جانبه يصنف الدكتور حسن المالكي- استشاري أول ورئيس قسم أمراض الكلى بمؤسسة حمد الطبية- مرضى الكلى الذين يرغبون في صيام رمضان إلى ثلاثة أقسام بحسب درجة المرض حرصًا على سلامتهم من حدوث مضاعفات. يقول د. حسن المالكي: بالنسبة لمرضى القصور الكلوي الحاد تكون حالتهم الصحية حرجة، وهم ممنوعون من الصيام إلى أن تتحسن حالة الكلى وتعود إلى وضعها الطبيعي، أما مرضى الكلى المزمن فتختلف مراحل اعتلال الكلى لديهم، وينصح المصابين بمرض الكلى من الدرجة الثالثة فما فوق بعدم الصيام، وذلك لأن الكلى في هذه المرحلة تكون غير قادرة على الاحتفاظ بسوائل الجسم، مما قد يتسبب في قصور حاد في وظائفها، وقد يؤدي ذلك إلى تلف الكلى بصورة كبيرة، وكذلك فالصيام لمدة طويلة ينقص سوائل الجسم بصورة كبيرة، ويجب على المرضى الرجوع للطبيب المعالج لمعرفة مدى إصابة الكلى وتأثير الصيام عليها.
أما مرضى الغسيل الكلوي فيوضح د. حسن ؛ أن مرضى الغسيل الدموي يقومون بغسيل الدم ثلاثة أيام في الأسبوع، وبالتالي فيمكنهم الصيام في باقي الأيام؛ حيث إن عملية الغسيل يصاحبها إعطاء محاليل عن طريق الوريد مما يفسد الصيام، أما عن مرضى الغسيل البريتوني (غسيل البطن) التي يقوم بها المريض بنفسه في المنزل فلا يمكنهم الصيام لوجود مواد مغذية بسوائل الغسيل.
وينصح د. حسن المالكي مرضى زراعة الكلى بعدم الصوم، وذلك لتأثير قلة السوائل على الكلى المزروعة وضرورة أخذ الأدوية بصورة منتظمة وفي أوقات محددة، وكذلك فإن أكثر مرضى الزراعة مصابون بمرض السكري، وهذا يزيد من خطورة الصيام على المريض، لذا يجب عليه استشارة طبيبه المعالج بصورة مستمرة.
صيام مرضى القلب
أما مرضى القلب فيعود الصيام عليهم بفوائد عدة حسبما يؤكد الدكتور عمار سلام- استشاري أول ورئيس قسم أمراض القلب بمستشفى الخور وأستاذ مشارك في الطب السريري بكلية الطب في جامعة قطر -حيث تنخفض نسبة الإصابة بـأمراض القلب المختلفة مثل الأزمة القلبية (الجلطة)، والفشل القلبي، وعدم انتظام القلب (الارتجاف الأذيني) في شهر رمضان، كما تقل نسبة الفشل القلبي والارتجاف الأذيني الناتجة عن قصور الشريان التاجي، كما أن صيام رمضان يؤدي أيضاً إلى زيادة نسبة الكوليسترول النافع بنسبة تتراوح بين 30-40 بالمائة، مما يؤدي بدوره إلى حماية شرايين القلب من ترسبات الكوليسترول الضار، وقد أثبتت الأبحاث أن الصيام وما يرافقه من شعائر دينية يؤدي إلى هدوء النفس وانخفاض استثارة الجهاز العصبي السمبتاوي مما يؤدي إلى انخفاض الضغط ونبض القلب وهي إشارات طبية جيدة لمعظم مرضى القلب.
ويؤكد د. سلام أنه يجب استشارة الطبيب المعالج قبل عدة أسابيع من بدء الصيام وخاصة لمرضى القصور الحاد في الشرايين لضبط مواعيد تناول الدواء وتلقي التعليمات اللازمة؛ لتجنب حدوث أي أعراض مثل الإحساس بالصداع خلال الصيام وذلك بالتقليل من تناول الشاى والقهوة والمشروبات الأخرى التي تحتوى على الكافيين قبل الصيام بخمسة أيام، وكذلك يمكن تجنب الإصابة بالحموضة وحرقان المعدة بعدم الإفراط في تناول الأطعمة خاصة التي تحتوى على سكريات عالية ومواد دهنية أثناء شهر رمضان.
وبالنسبة لتناول مرضى القلب للدواء خلال رمضان يشير د.عمار إلى إمكانية تناول المريض للدواء مرة عند الإفطار ومرة أخرى عند السحور، وبالنسبة للمرضى الذين يتناولون دواءهم ثلاث مرات يومياً فعليهم مراجعة الطبيب المختص لاستبداله بدواء طويل المفعول يؤخذ مرة أو مرتين يومياً.
ومن جانبه يقول الدكتور صالح محمد الشريف طبيب الاسرة في مركز ابونخلة الصحي التابع لمؤسسة الرعاية الصحية الأولية انه من المناسب استعراض النصائح التي تعين الصائم على اكتساب أكبر نصيب من الفوائد الصحية المعروفة عن الصيام وتجنّب الأضرار التي لا بدّ أن تلحق به إن هو أساء تطبيقه، ومن الضروري بدء الإفطار بتناول لقيمات يُحبّذ أن تحتوي على نسبة من السكريات مثل التمر وبعض السوائل مثل الماء أو الحليب ثم ترك فترة زمنية تتراوح ما بين 10 و15 دقيقة قبل معاودة الأكل، فهذا من شأنه أن يوصل السكريات إلى الدّماغ فينشّطه ويثبّط الإحساس بالجوع أو العطش، ولا يسمح للصّائم أن يتجاوز قدر احتياجه من الأكل وبالتالي يجنّبه التخمة وزيادة الوزن واضطراب الجهاز الهضمي من سوء هضم وانتفاخ.
التدرج في الطعام
ويقول الدكتور صالح الشريف: ينبغي على الصّائم أن يقاوم الرّغبة في تناول الطّعام والشّراب بسرعة وأن يتدرّج في ذلك حتى لا يتسبّب في توسّع سريع للمعدة وتمدد جدرانها، وينتج عن ذلك عسر الهضم والتجشوء، كذلك لا يجب الإكثار من السوائل أثناء الأكل تجنبا لانتفاخ البطن.
ويضيف انه يحسن بنا القيام بتقسيم مكوّنات الإفطار إلى ثلث من الخضار والفواكه الغنية بالألياف الغذائية والماء المساعِدة على الهضم، والتقليل من خسارة السّوائل خصوصا في درجات الحرارة المرتفعة مثل البطيخ والعنب والخيار، وثلث من النشويات مثل الأرز أو الخبز المصنوع من الحبوب الكاملة، وثلث من البروتينات كالسمك أو الدجاج أو الحوم الخالية من الشحوم.
كما يجب التقليل من الحلويّات والأغذية الدّسمة التي تحتوي على كمّيات كبيرة من الدّهون المتسبّبة في تصلّب الشرايين والتأثير على وظيفة القلب وارتفاع خطير لنسبة السكر في الدم؛ لذا يتوجّب تجنّب الأطعمة المقلية ومنتجات الحليب الدسمة.
مخاطر الأملاح
وعلينا تجنب الموالح التي تزيد من خطر الإصابة بمرض الكلى والقلب لدى الاشخاص المصابين بمرض السكري لذلك يُنصح بتجنب اللحوم المدخنة والمخللات والزيتون والمكسرات المملحة، ولنتذكر أن الإكثار من الملح يؤدّي ألي العطش خلال الصيام ويسبب ارتفاع ضغط الدم.
ويجب أن تكون وجبة السّحور متوازنة وتحتوي على كل المكونات الغذائية، وبخاصة البروتينات مثل الفاكهة المجففة والبقول كالفول والفاصوليا والعدس المكسرات غير المملحة، وتكون الأغذية أيضا خالية من السعرات الحرارية المرتفعة والزيوت وتجنّب الأغذية المملّحة؛ لتجنّب العطش والأطعمة الغنيّة بالسكّر كما يجب الحرص على تناول وجبة السّحور قبيل الفجر لمقاومة الجوع وهبوط العزيمة خاصة إذا كان النهار طويلاً.
وانه من المحبّذ تناول وجبة خفيفة بين وجبتي الإفطار والسحور تشمل بعض الفواكه ومشتقّات الحليب كالجبن واللبنة وشرب كميات كافية من الماء على مدار هذه الفترة، وذلك لتجنب الجفاف ودعم وظيفة الكلى ومقاومة الإمساك مع تجنّب المشروبات المحلاّة التي تزيد من غازات الأمعاء وترفع نسبة السكر في الدم بسرعة ما يتبعه هبوط سريع في السكر يثير الشعور بالجوع خلال فترة قصيرة، ومن ثمّ علينا تجنّب شرب القهوة والشاي عند السحور لأنهما مدرّين للبول ويسببان العطش والجفاف خلال النهار.
ويُعدّ شهر رمضان المبارك أحسن فرصة للإقلاع عن التدخين أو أي سلوكيات خاطئة ومضرّة بصحة الإنسان، وتكون أكثر ضررا للصائم الذي يحتاج جسمه مناعة ودعم صحي أقوى خلال الصيام، كما اننا ننصح الصائم بفترة نوم كافية ولتقليل من السّهر الطويل، والاستعانة بالقيلولة مع تجنّب النوم مباشرة بعد الإفطار لتفادي ارتجاع الطعام وحدوث الحرقة الهضم.
والصيام ليس مانعا لممارسة الرياضة وينصح أن يكون قبل الإفطار بفترة قصيرة؛ حتى يتسنى شرب الماء بعد التمرين بكميات صحيّة كما أنّه من المفيد المشي بعد الإفطار ولمسافات قصيرة حول المنزل مثلا وذلك يساعد على تخطّي التخمة التركيز اثناء صلاة التروايح.
الصيام والروماتيزم
كذلك فإن الصيام يحسن حالة مريض الروماتيزم والنقرس حيث يؤدِّي إلى زيادة تركيز مادة الاندر وفين في الدم المسؤولة على تخفيف الألم، كما ينصح بتناول الأغذية الغنية بفيتامين ج وأوميغا 3 التي تحُدّ من فرص الإصابة بالتهاب المفاصل.
وبإمكان المصابين بأمراض مزمنة والنساء الحوامل أو الأشخاص المتقدمين في السن صيام شهر رمضان ولكن باتخاذ احتياطات خاصة بحسب الوضع الصحَي لكل شخص وينصح باستشارة الطبيب واتباع نصائحه قبل الصيام.. وأخيرا فإن الصيام رياضة روحية ونفسية وبدنية إن نحن أحسنا تطبيقه، واتبعنا النصائح المفيدة تحصلنا على جسد سليم ونفس طاهرة وروح تقية وأقللنا من التبذير، ولا نسترجع باللّيل ما امتنعنا عنه في النهار وننصح بالتدرّب على الصيام خارج شهر رمضان ليكتمل استعدادنا لهذا الشهر الكريم.
copy short url   نسخ
08/04/2021
1781