+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الشّكر على ثلاثة أضرب: شكر القلب وهو تصوّر النّعمة. وشكر اللّسان. وهو الثّناء على المنعم وشكر سائر الجوارح، وهو مكافأة النّعمة بقدر استحقاقه، وقوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) معناه اعملوا ما تعملونه شكرا لله. وقيل شكرا مفعول لقوله اعْمَلُوا، وذكر اعملوا ولم يقل اشكروا لينبّه على التزام الأنواع الثّلاثة من الشّكر بالقلب واللّسان وسائر الجوارح وقوله سبحانه (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) – (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) – (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ). ففيه تنبيه أنّ توفية شكر الله صعب ولذلك لم يثن بالشّكر من أوليائه إلّا على اثنين، قال في إبراهيم عليه السّلام (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) وقال في نوح: (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) وإذا وصف الله بالشّكر في نحو قوله: (وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) إنّما يعني به إنعامه على عباده.
قال ابن حجر- رحمه الله تعالى- الشّكر يتضمّن الصّبر على الطّاعة، والصّبر عن المعصية وقال بعض الأئمّة: الصّبر يستلزم الشّكر ولا يتمّ إلّا به، وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر. فمن كان في نعمة ففرضه الشّكر، والصّبر. أمّا الشّكر فواضح، وأمّا الصّبر فعن المعصية، ومن كان في بليّة ففرضه الصّبر والشّكر، أمّا الصّبر فواضح، وأمّا الشّكر فالقيام بحقّ الله في تلك البليّة، فإنّ لله على العبد عبوديّة في البلاء، كما له عليه عبوديّة في النّعماء.
قال ابن كثير- رحمه الله تعالى-: وقوله (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) أي نخبركم بالمصائب تارة وبالنّعم تارة أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط كما قال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس (وَنَبْلُوكُمْ) يقول: نبتليكم بالشّر والخير فتنة بالشّدّة والرّخاء والصّحّة والسّقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطّاعة والمعصية والهوى والضّلال. وقال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: كلّ ما يلقى العبد في هذه الدّار لا يخلو من نوعين: أحدهما يوافق هواه ومراده، والآخر لا يوافقه، وهو محتاج إلى الصّبر في كلّ منهما (فإنّه مختبر وممتحن).
النّوع الأوّل: الموافق لغرضه فكالصّحة والسّلامة والجاه والمال وأنواع الملاذّ المباحة وهو أحوج بشيء إلى الصّبر فيها من وجوه: أحدها: أن لا يركن إليها ولا يغترّ بها، ولا تحمله على البطر والأشر والفرح المذموم الّذي لا يحبّ الله أهله. الثّاني: أن لا ينهمك في نيلها ويبالغ في استقصائها، فإنّها تنقلب إلى أضدادها. الثّالث: أن يصبر على أداء حقّ الله فيها ولا يضيّعه فيسلبها. الرّابع: أن يصبر عن صرفها في الحرام فلا يمكّن نفسه من كلّ ما تريده منها فإنّها توقعه في الحرام، فإن احترز كلّ الاحتراز أوقعته في المكروه، ولا يصبر على السّرّاء إلّا الصّدّيقون.
قال بعض السّلف: البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر ولا يصبر على العافية إلّا الصّدّيقون. وقال عبد الرّحمن بن عوف- رضي الله عنه-: ابتلينا بالضّرّاء فصبرنا وابتلينا بالسّرّاء فلم نصبر ولذلك حذّر الله عباده من فتنة المال والأزواج والأولاد وإنّما كان الصّبر على فتنة السّرّاء أعظم لأنّه مقرون بالقدرة، والجائع عند غيبة الطّعام أقدر منه على الصّبر عند حضوره.
فالشّكر كالحمد في أنّهما وصف باللّسان بإزاء النّعمة، إلّا أنّ الحمد يكون باللّسان وبالقلب، بخلاف الشّكر فإنّه يقع بالجوارح. والنّعمة مقيّدة في الشّكر بوصولها إلى الشّاكر بخلافها في الحمد. ويختصّ الشّكر بالله تعالى، بخلاف الحمد.
copy short url   نسخ
29/03/2021
1713