+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيميبسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: (ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟ وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). وقسّم الله سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وقال سبحانه وتعالى: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال:(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً). كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه، فقال: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). بل جعل الله- عزّ وجلّ- أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). والشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان وقال الفيروز اباديّ أن مبناه على خمس قواعد: خضوع الشّاكر للمشكور، وحبّه له، واعترافه بنعمته، والثّناء عليه بها، وألّا يستعملها فيما يكره. فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: (ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟ وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ). وقسّم الله سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ). وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) وقال سبحانه وتعالى: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال:(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً). كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه، فقال: (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ). بل جعل الله- عزّ وجلّ- أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). كما أخبر سبحانه أنّ رضاه في شكره فقال: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). والشّكر أعلى منازل السّالكين، وفوق منزلة الرضا، فإنّه يتضمّن الرّضا وزيادة، والرّضا مندرج في الشّكر، إذ يستحيل وجود الشّكر بدونه، وهو نصف الإيمان وقال الفيروز اباديّ أن مبناه على خمس قواعد: خضوع الشّاكر للمشكور، وحبّه له، واعترافه بنعمته، والثّناء عليه بها، وألّا يستعملها فيما يكره. فمتى فقد منها واحدة اختلّت قاعدة من قواعد الشّكر.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
