+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
هو «التّبرّي عن كلّ ما دون الله» فحقيقة الإخلاص، باعتباره التزاما في مواقف الحياة، لا مجرّد تصوّر نظريّ، يجعلنا ننظر إليه من زاويتين: الأولى: من جهة تعلّقه بالعمل، أو من حيث كونه واقعا يتعلّق بحياة النّاس ومواقفها، أو من حيث كونه يتعلّق بسلوك الإنسان، من هذا القبيل نجد أن العمل الصّادر عن الإنسان- أيّا كان- إذا قصد به وجه الله، وظهرت الشّواهد على ذلك، فإنّه يعدّ عملا مخلصا، لأنّه خالص من الشّرك، والرّياء، والمراءاة، والشّهرة. لأنّ العمل الإنسانيّ قد يشوبه شيء ما من ذلك، فإذا صفا عن شوبه، وخلص منه سمّي خالصا، فالإخلاص ينافي الإشراك، والرّياء، والغشّ، والخداع، والاحتيال، والكذب، ولذا قد نجد بينه وبين الصّدق قرابة معنى، وكذلك يمتدّ إلى معنى الصّراحة، ويلتقي بمفهوم الوضوح، والأمانة والصّفاء.
وإذا كانت كلّ المعاني السّابقة من رياء وغشّ وخداع، واحتيال، وكذب، تمتدّ إلى الشّرك بمعنى ما، فإنّ من الشّرك ما هو خفيّ وما هو جليّ، وكذا الإخلاص، وكلاهما يرد على قلب المسلم ويكون ذلك في المقصود والنّيّة، ولذا يأتي الفعل على قدر النّيّة، إمّا مخلصا أو غير مخلص، فمن كان قصده من عمله الرّياء، فهو غير مخلص، ومن كان غرضه التّقرّب إلى الله تعالى فهو مخلص، إلّا أنّ العادة جرت بتخصيص الإخلاص على قصد التّقرّب إلى الله تعالى وتخليصه من جميع ما يشوبه.
وكلّ عمل باعثه التّقرّب إلى الله تعالى، وانضاف إليه خطرة بشريّة حتّى صار العمل موسوما بها، وأخفّ من جهتها من حيث الإتيان، فقد خرج العمل عن الإخلاص، وخرج عن أن يكون خالصا لوجه الله تعالى، وبالتّإلى خرج من أن يكون محقّقا لإنسانيّة الإنسان، وكما يقول الإمام الغزاليّ: «كلّ حظّ من حظوظ الدّنيا تستريح إليه النّفس، ويميل إليه القلب، قلّ أم كثر، إذا تطرّق إلى العمل تكدّر به صفوه، وزال به إخلاصه، والإنسان مرتبط في حظوظه، منغمس في شهواته، قلّما ينفكّ فعل من أفعاله، وعبادة من عباداته عن حظوظ وأغراض عاجلة من هذه الأجناس. فلذلك قيل: من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا، وذلك لعزّة الإخلاص وعسر تنقية القلب عن هذه الشّوائب، بل الخالص هو الّذي لا باعث له إلّا طلب القرب من الله تعالى».
بناء على ما سبق فإنّ الإخلاص هو تصفية السّرّ والقلب والعمل، والخالص هو الّذي لا باعث له إلّا طلب الحقّ، والإخلاص لا يكون إلّا بعد الدّخول في العمل، والإخلاص لله؛ هو ألا يفعل المخلص فعلا إلّا لله تعالى.
الثّانية: من جهة معناه وشروطه كموقف يلتزم به الإنسان في حياته. الإخلاص ينقسم بحسب ما يظهر من العبد، يمكن أن يشمل كلّ فعل الإنسان، ولذا يقال: إنّ الإخلاص أربعة أقسام: إخلاص في الأقوال، وإخلاص في الأفعال، وإخلاص في الأعمال أي العبادات، وإخلاص في الأحوال أي إلهامات القلب وواردات الغيب. والدّين شامل لكلّ هذا، وباعتبار أنّ الإخلاص التزام حيويّ أكثر ممّا هو تصوّر نظريّ، فإنّ موقف الإخلاص يستلزم
تصفية للعمل والقول والعبادة ممّا يشوبها من رياء ومراءاة أو خداع أو كذب، ويأتي في مراتب عديدة، وهي: طرح العمل وعدم رؤيته، فضلا عن طرح طلب العوض عنه، والخجل من العمل مع بذل الوسع والغاية فيه، مع رؤية التّوفيق في العمل المخلص على أنّه جود من الله تعالى، ثمّ إخلاصه بالخلاص منه، أي جعله خالصا لوجه الله تعالى.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
18/03/2021
2047