+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قال ابن منظور: خلص الشّيء بالفتح، يخلص خلوصا وخلاصا إذا كان قد نشب ثمّ نجا وسلم، وأخلصه وخلّصه، وأخلص لله دينه: أمحضه، وأخلص الشّيء: اختاره، وقريء (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) والمخلصين- قال ثعلب: يعني بالمخلصين الّذين أخلصوا العبادة لله تعالى. وبالمخلصين الّذين أخلصهم الله- عزّ وجلّ-، فالمخلصون المختارون، والمخلصون: الموحّدون. ولذلك قيل لسورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) سورة الإخلاص. قال ابن الأثير: لأنّها خالصة في صفة الله تعالى وتقدّس، أو لأنّ اللّافظ بها قد أخلص التّوحيد لله عزّ وجلّ، وكلمة الإخلاص: كلمة التّوحيد. والإخلاص في الطّاعة: ترك الرّياء.
وقال الكفويّ: الإخلاص هو القصد بالعبادة إلى أن يعبد المعبود بها وحده، وقيل تصفية السّرّ والقول
والعمل. وقال المناويّ الإخلاص: تخليص القلب من كلّ شوب يكدّر صفاءه، فكلّ ما يتصوّر أن يشوبه غيره فإذا صفا عن شوبه وخلص منه يسمّى خالصا.
وقيل: الإخلاص عمل يعين على الإخلاص. وقيل الخلاص عن رؤية الأشخاص، وقيل تصفية العمل من التّهمة والخلل. وقال الجرجانيّ: الإخلاص: ألّا تطلب لعملك شاهدا غير الله تعالى وقيل هو: تخليص القلب عن شائبة الشّوب المكدّر لصفائه- الفطريّ- وتحقيقه أنّ كلّ شيء يتصوّر أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه يسمّى خالصا، قال تعالى: (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً). فإنّما خلوص اللّبن أن لا يكون فيه شوب من الفرث والدّم، ومن كلّ ما يمكن أن يمتزج به.
وحقيقة الإخلاص: التبرّي عن كلّ ما دون الله تعالى، أمّا الإخلاص في الدّين فيقول فيه الرّاغب: إخلاص المسلمين أنّهم قد تبرّءوا ممّا يدّعي اليهود من التشبيه، والنّصارى من التّثليث، قال تعالى: (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقال- عزّ وجلّ- (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ). وأجمعوا على أنّ الإخلاص في الطّاعة ترك الرّياء.
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل النّاس رياء، والعمل لأجلهم شرك، والإخلاص: الخلاص من هذين. وفي رواية عنه: والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.
وورد لفظ الإخلاص في القرآن الكريم على وجوه: الأوّل: قال في حقّ الكفّار عند مشاهدتهم البلاء: (دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) والثّاني: في أمر المؤمنين: (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) والثّالث: في أنّ المؤمنين لم يؤمروا إلّا به: (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)والرّابع: في حقّ الأنبياء: (إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) والخامس: في المنافقين إذا تابوا: (وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ) والسّادس: أنّ الجنّة لم تصلح إلّا لأهله: (إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) والسّابع: لم ينج من شرك تلبيس إبليس إلّا أهله: (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ).
وتتلخّص هذه الوجوه في أمرين: الأوّل: الدّين لله سواء من المؤمنين عند الدّعاء أو العبادة، أو من الكفّار عند البلاء أو من المنافقين عند التّوجّه، ومن هذا النّوع الإخلاص المطلق لله- عزّ وجلّ-.
والآخر: إخلاص الله عباده الّذين اصطفاهم واختارهم سواء أكانوا من الأنبياء أو من غيرهم وسنحاول فيما يلي تصنيف ما ورد في القرآن الكريم متعلّقا بهذه الصّفة وفقا للسّياقات الّتي ورد بها.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
15/03/2021
755