+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
مصدر خشع حيث أنها تدلّ كما يقول ابن فارس على معنى واحد هو التّطامن، وهو قريب المعنى من الخضوع، إلّا أنّ الخضوع في البدن وهو الإقرار بالاستخذاء، والخشوع في البدن والصّوت والبصر، قال تعالى: (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) والخاشع: المستكين والرّاكع، قال الرّاغب: الخشوع الضّراعة، وأكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح، والضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب ولذلك قيل فيما روي: إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.
وقوله تعالى: (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) أي سكنت، وكلّ ساكن خاضع خاشع. والخاشع: الرّاكع، في بعض اللّغات، والتّخشّع: تكلّف الخشوع، والتّخشّع لله: الإخبات والتّذلّل. وقوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً). قال الزّجّاج: الخاشعة المتغيّرة المتهشّمة، وأراد المتهشّمة النبات، وبلدة خاشعة: أي مغبرّة لا منزل بها، وإذا يبست الأرض ولم تمطر قيل: قد خشعت. قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ). فالخشوع قيام القلب بين يدي الرّبّ بالخضوع والذّلّ وقيل: هو الانقياد للحقّ. وقيل: الخشوع تذلّل القلوب لعلّام الغيوب. قال ابن القيّم- رحمه الله-: والحقّ أنّ الخشوع معنى يلتئم من التّعظيم والمحبّة والذّلّ والانكسار. وحكى ابن حجر عن الفخر الرّازيّ في تفسيره أنّ الخشوع تارة يكون من فعل القلب كالخشية، وتارة من فعل البدن كالسّكون، وقيل: لا بدّ من اعتبارهما، وقال غيره: هو معنى يقوم بالنّفس يظهر عنه سكون في الأطراف يلائم مقصود العبادة.
وذكر بعض المفسّرين أنّ الخشوع في القرآن على أربعة أوجه: أحدها: الذّلّ. ومنه قوله تعالى: (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ) والثّاني: سكون الجوارح. ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ). والثّالث: الخوف. ومنه قوله تعالى: (وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ). والرّابع: التّواضع. ومنه قوله تعالى:(وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ). ويمكن أن يضاف إلى ذلك وجه خامس وهو: اليبس والجمود، وذلك كما في قوله تعالى: (وتَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً).
فالخشوع يورث الخوف والرّهبة من الله عز وجل، ومظهر من مظاهر الإيمان وحسن الإسلام، كذلك دليل على صلاح العبد واستقامته.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
11/03/2021
654