+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
التبين مصدر تبيّن إذا تثبّت في الأمر، والتّثبّت في الأمر والتّأنّي فيه، وقرأ قوله- عزّ وجلّ-: (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) وقرأ: فتثبّتوا؟، والمعنيان متقاربان. ويقال: تبيّنت الأمر أي تأمّلته وتوسّمته، واستبنت الشّيء إذا تأمّلته حتّى تبيّن لك. والبيان: ما بيّن به الشّيء من الدّلالة وغيرها.
وبان الشّيء بيانا: اتّضح، فهو بيّن، وكذلك أبان الشّيء فهو مبين. وأبنته أنا أي أوضحته، واستبان الشّيء:
ظهر. واستبنته أنا: عرفته وتبيّن الشّيء: ظهر.
قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله- عقب قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) يأمر تعالى بالتثبّت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلّا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا أو مخطئا فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه وقد نهى الله- عزّ وجلّ- عن اتّباع سبيل المفسدين ومن ههنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في الأمر نفسه، وقبلها آخرون لأنّا إنّما أمرنا بالتثبّت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقّق الفسق لأنّه مجهول الحال.
ويقول الجاحظ: البيان اسم جامع لكلّ شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجاب دون الضّمير حتّى يفضي السّامع إلى حقيقته ويهجم على محصوله كائنا ما كان ذلك البيان، ومن أيّ جنس كان الدّليل؛ لأنّ مدار الأمر والغاية الّتي يجري إليها القائل والسّامع إنّما هو الفهم والإفهام فبأيّ شيء بلغت الإفهام وأوضحت عن المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع.
والتّبيّن مرتبة من مراتب وصول العلم يراد بها ما يحصل من العلم بعد الالتباس. يقول الكفويّ: اعلم أنّ مراتب وصول العلم إلى النّفس: الشّعور ثمّ الإدراك ثمّ الحفظ ثمّ التّذكّر ثمّ الذّكر ثمّ الرّأي وهو استحضار المقدّمات وإجالة الخاطر فيها ثمّ التّبيّن وهو علم يحصل بعد الالتباس ثمّ الاستبصار وهو العلم بعد التّأمّل.
فالتبين يقي المجتمع من مخاطر القرارات السّريعة غير المدروسة، وهو دليل رجاحة العقل وسلامة التّفكير، والتّبيّن يحفظ حقوق الأفراد والجماعات ولا يجعلها عرضة للظّنّ.
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر

[email protected]
copy short url   نسخ
09/03/2021
907