+ A
A -
بسمة النشور كاتبة أردنية
حين يهتف الواحد منا، في لحظة انفعال وغضب، قائلاً بتحدٍ «أنا حرّ وسوف أحيا حياتي كما أريد»، تُرى هل ندرك أو نعني ما نقول حقا، أم أنها مجرد أمنيات وتطلعات وأشواق إلى الانعتاق من القيود، تلك المتمثلة في كل أشكال السلطة من أبوية ودينية وسياسية ومجتمعية، القيود الباهظة التي تحدّد مسار حياتنا منذ اللحظة الأولى؟!.
لعل الجنون هو المبرّر الوحيد المقبول عرفا لاستحقاق الحرية، بمعناها المطلق غير القابل للمساءلة، وكثيرا ما اتُّهم عبر التاريخ شعراء وفلاسفة ومفكرون وعلماء ومخترعون بالإصابة بالجنون، وقد زجّ بعضهم في مصحات الأمراض العقلية، لأنهم عبّروا بكل صدق، وبدون ضوابط أو محاذير عن دواخلهم من مشاعر ومواقف وأفكار،هؤلاء الذين نطلق عليهم صفة مجانين هم من أحدثوا الاختلاف، وساروا بالبشرية إلى حيث التطور والإنجاز، وهم وحدهم من دفعوا الثمن باهظا.
الحرية كما يعرّفها علم النفس هي تحرّر من القيود والخوف والعوز، وهي إذا ما جرّدناها من بعدها الرومانسي الجمالي جوهر السعادة ومضمونها، بل هي من أهم دوافع الحياة التي تفقد المعنى، في حال عدم توفرها شرطا أساسيا لجدوى الوجود، وهي حافزٌ أساسي للمعرفة والتنوير والإبداع والجمال، وهي قوة دافعة لتحريك أفراد المجتمع وتفجير طاقاته.
وفي هذه اللحظة العصيبة الراهنة، يبدو ذلك كله مجرّد تفاصيل، قد لا نملك ترف التنظير حولها، إذ يكبلنا وباءٌ تافه صغير، يتحكّم بخبث ولؤم في مجريات الكون بأسره، فتعلن دولٌ كبرى عجزها عن مواجهته، وتفرض على مواطنيها قيودا لا حصر لها، يحصد الأرواح ويعطّل الحياة ويجوِّع البشر، يحجرنا في البيوت كفئران مذعورة، تفكّر ألف مرة، قبل أن تفتح الباب، رعبا من تسلل الوباء الذي أحكم وثاقه على كل مفاصل حياتنا، ثم نجرؤ بعد ذلك كله على القول، من دون أدنى إدراك، إننا أحرار، وإننا سنفعل كل ما يحلو لنا!
copy short url   نسخ
09/03/2021
641