+ A
A -
د. نازك بدير كاتبة لبنانية
ماذا لو ولدت هناك في الشرق الأقصى بدلًا من هذا الشرق، حيث تتفوّق الانتماءات على الخبرة، والأحزاب على النزاهة، والطائفية على الكفاءة، والعصبية على الاستقامة، وانعدام المصداقية على المعايير العلمية، ولغة التهديد على الاحترام؟ ما معنى أن تعمل في التربية مثلًا وتكتب نظرياً عن فكرها، وأنت تفتقد إلى أبسط أخلاقيات العمل الواقعي في مدارسها؟
ثمّة فرق واسع بين النظرية والتطبيق، بين ما يتلفظ به المرء وما يقوم به على أرض الواقع؛ التربية عمل متكامل لا ينفصل فيها القول عن الفعل، إنّما هي مسيرة حياتية ونضال يومي وجهاد ذاتي أوّلًا، وخارجي ثانيًا.
في هذه العملية بالتحديد من الصّعب أن تحقّق نجاحًا، ما لم تكن أنت نفسك ملتزمًا بأصولها، خلافًا لغيرها من المجالات، فمن الممكن مثلًا أن يتفوّق أحدهم في رسْم سياسات مالية، وهندسات اقتصادية من دون أن يمتلك رأس مال، بينما العامل في قطاع التربية من المستحيل خوض هذا الغمار إذا كان يفتقد إلى الأخلاق، وسيسقط أمام أول اختبار.
الانفصام الحاد ما بين الأقوال والأفعال يكاد يكون صفة لأزمة تتغلب على مَن ينادون بالحريات، ويدعون إليها، ويكتبون عنها، ويعقدون مؤتمرات حولها.
المفارقة أنّ مِن بين المنظّرين للحرية ثمّة مَن يمارس القمع والاضطهاد في منزله، وفي محيطه، ومن على المنابر الافتراضية وغيرها، وعبر الإذاعات والتلفزيونات التي اتُّخِذَت وسيلة لإطلاق مواقف فضفاضة عن حقوق الإنسان والتعايش والديمقراطية.. وفي كثير من الأحيان، هؤلاء أنفسهم يجلدون الحرية والمحيطين بهم بسياط معاملتهم الوحشيّة، يحاضرون في النّزاهة والإصلاح وهم على أرض الواقع أرباب الفساد، التناقض بين أقوالهم وأفعالهم بات يشبه العدوى.
في النهاية، نخلص إلى القول إنّ المسؤولية لا تقع على عاتق فرد معيّن، إنما هي مسؤوليّة مجتمع بكليته يتقاسم المقيمون فيه تبعات ما يحصل.
copy short url   نسخ
05/03/2021
963