+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الرجاء تدلّ على الأمل الّذي هو نقيض اليأس، وقيل: الأمل أكبر من الرّجاء؛ لأنّ الرّجاء معه خوف. قال في اللّسان: وقد يكون الرّجو، والرّجاء بمعنى الخوف. قال تعالى: (مالَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً). أي تخافون عظمة الله. قال الرّاغب: ووجه ذلك أنّ الرّجاء والخوف يتلازمان قال تعالى: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ). وقال عزّ من قائل: (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ)، والرجاء تأمّل الخير وقرب وقوعه، وفي الرّسالة القشيريّة: الرّجاء تعليق القلب بمحبوب في المستقبل. قال ابن القيّم- رحمه الله-: الرّجاء هو النّظر إلى سعة رحمة الله. وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرّبّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه. وقيل: هو الثّقة بجود الرّبّ تعالى. وقال الرّاغب: الرّجاء ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة.
وقال المناويّ: الرّجاء ترقّب الانتفاع بما تقدّم له سبب ما.
والفرق بينه وبين التّمنّي: أنّ التّمنّي يصاحبه الكسل. ولا يسلك صاحبه طريق الجدّ، والرّجاء على الضّدّ من ذلك. ومن الوجهة اللّغويّة فإنّ أداة الرّجاء «لعلّ» وأداة التّمنّي «ليت». كما أنّ الرّجاء يفيد إمكان الوقوع بخلاف التّمنّي الّذي يفيد تعذّر الوقوع أو استحالته.
وقد ورد الرّجاء في القرآن على ستّة أوجه: أوّلها: بمعنى الخوف: (مالَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي مالكم لا تخافون. ومنه: (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) وقوله: (مَنْ كانَ يَرْجُو لِقاءَ اللَّهِ). والثّاني: بمعنى الطّمع: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) (أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ) والثّالث: بمعنى توقّع الثّواب: (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) والرّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطّرف: (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها). والخامس: الرّجاء المهموز: (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي احبسه. والسّادس: بمعنى التّرك والتّأخير: (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ): تؤخّر، (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ).
أما حقيقة الرجاء فقد قال ابن القيّم: الرّجاء هو عبوديّة، وتعلّق بالله من حيث اسمه: البرّ المحسن فذلك التّعلّق والتّعبّد بهذا الاسم، والمعرفة بالله: هو الّذي أوجب للعبد الرّجاء من حيث يدري ومن حيث لا يدري. فقوّة الرّجاء على حسب قوّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه ولولا روح الرّجاء لعطّلت عبوديّة القلب والجوارح، وهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. بل لولا روح الرّجاء لما تحرّكت الجوارح بالطّاعة. ولولا ريحه الطّيّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات.
فتأمّل هذا الموضع حقّ التّأمّل يطلعك على أسرار عظيمة من أسرار العبوديّة والمحبّة، فكلّ محبّة مصحوبة بالخوف والرّجاء. وعلى قدر تمكّنها من قلب المحبّ يشتدّ خوفه ورجاؤه، ولكنّ خوف المحبّ لا يصحبه وحشة. بخلاف خوف المسيء. ورجاء المحبّ لا يصحبه علّة، بخلاف رجاء الأجير، وأين رجاء المحبّ من رجاء الأجير وبينهما كما بين حاليهما؟
وقال الحافظ ابن حجر: المقصود من الرّجاء أنّ من وقع منه تقصير فليحسن ظنّه بالله ويرجو أن يمحو عنه ذنبه، وكذا من وقع منه طاعة يرجو قبولها، وأمّا من انهمك على المعصية راجيا عدم المؤاخذة بغير ندم ولا إقلاع فهذا في غرور. وما أحسن قول أبي عثمان الجيزيّ: من علامة السّعادة أن تطيع، وتخاف أن لا تقبل، ومن علامة الشّقاء أن تعصي، وترجو أن تنجو.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
04/03/2021
678