+ A
A -
منى زعرور كاتبة لبنانية
يتأسس الإيمان الديني للفرد منذ بداية تشكل الوعي واكتسابه للغة والمعارف ضمن محيط أسري واجتماعي حاملين لتراث تاريخي وديني محدد، تتوارثه المجتمعات المتعاقبة على رقعة جغرافية قد تضيق أو تتسع تبعاً لامتداد الإطار الديني الذي يشملها. وهذا الإيمان عادة ما يكتسب مع الطقوس الاحتفائية الأولى بالولادة وصولا إلى التعاليم المتداولة عبر ممارسة الأمور العبادية ومشاركة احتفالياتها الجماعية حتى آخر طقس من الوداع في الموت.
كما أن هذا النوع من الإيمان يعد الأكثر انتشاراً في العالم ولا يتم تجاوزه سوى في حالات محدودة، لأشخاص قرروا من خلال التفكير والتجربة اختيار إيمان بديل أو جديد عما ألفوه في محيطهم، ووفقاً لانفتاح المجتمعات أو تشددها يتم الترحيب بالاختيار الجديد وحامله أو رفضهما ومقاطعته والتضييق عليه حتى تصفيته الجسدية كحد أقصى من الرفض. وفي لحظات تاريخية لظهور مصلحين أو قادة دينيين يعملون على إعادة تشكيل وتنميط هذا الايمان بإيمان جديد أو معدّل. وبهذا المعنى فإن الإيمان الديني الفردي نادراً ما يتعرض للتمحيص والاختيار والنفي والرفض لدى حامله، كما أنه حكماً لايخرج عن إطاري الاعتماد والتقليد المتوارثين، ومن ثم فهو لا يخضع أيضاً للاختبار بالتجربتين القلبية والعقلية، ولا يتعرض حامله لمراحله المختلفة من اليقين والشك والحيرة والقلق، في وعي ذاته والعالم والله والدين، إلا في الحالات المحدودة التي تكلمنا عنها آنفاً.
إن الإيمان ووظيفته لهما أكثر ما تم تناوله في البحث في بحوث الانسانيات مع الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب، وسيتضاعف البحث فيهما مع كل استحقاق علمي وتطور هائل أو أزمات مقبلة، وستبقى الأسئلة الملحّة عن معنى الإيمان وأشكال الإيمان ووظائفه والحدود المتوقعة منه تطرق أبواب اهتمام الباحثين هناك، لكن التساؤل المركزي والمباشر الذي علينا هنا أن نفكر فيه منذ الآن ينطلق من الأسئلة الآتية: ما مصير الإيمان الديني لمجتمعاتنا في المستقبل ؟، وما التغييرات والنتائج التي سيرسيها الايمان الايديولوجي على الايمان الفردي وعلى هذه المجتمعات ككل؟.
copy short url   نسخ
03/03/2021
2181