+ A
A -
وائل نجم كاتب لبناني
انسداد أفق الحلّ السياسي في لبنان جرّاء الفشل في تشكيل حكومة جديدة من أصحاب الاختصاص والكفاءة، وبعيداً عن الحزبيين، وعن منطق المحاصصة الطائفية والسياسية، ورزوح لبنان تحت أعباء أزمة اقتصادية صعبة، تهدّد بانهيار البلد بشكل كامل، وصولاً ربما إلى انتهاء الكيان، وتمسّك الطبقة السياسية بمواقفها من مجمل الأوضاع، سيّما تمسّك رئيسي الجمهورية، ميشال عون، والحكومة المكلّف، سعد الحريري، كلّ منهما بطرحه لشكل الحكومة وحجمها وطريقة تشكيلها، واختفاء قوى، قد تكون داخلية أو خارجية، خلْف تعطيل عملية التشكيل، وأخْذ لبنان رهينةً في لعبة الصراعات الإقليمية والدولية،.. كل هذه العوامل دفعت البطريرك الماروني في لبنان، بشارة الراعي، لما له من مكانة معتبرة عند اللبنانيين عموماً، وعند المسيحيين خصوصاً، إلى القيام بمبادرة مع الرئيسين عون والحريري، على أمل إخراج البلد من عقدة تشكيل الحكومة، باعتبار ذلك مفتاح حلّ كل الأزمات الأخرى، غير أنّ المبادرة أيضاً اصطدمت برفض مقنّع من رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر الذي يدعمه، ما حداه إلى الدعوة إلى تنظيم مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لتنظيم خروج لبنان من أزماته، ومساعدته على تخطّي تلك الأزمات.
انقسم اللبنانيون بشأن دعوة الراعي هذه، منهم من كان صريحاً برفضها، ورفض أي تدخّل أجنبي أو دولي في لبنان، وهذا ما عبّر عنه أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الذي حذّر من أنّ التدخّل الدولي الأجنبي الذي قد يفتح لبنان على أبواب المجهول. ومنهم من أيّد دعوة البطريرك بشكل علني وصريح، وراح ينظّر لأهمية تلك المبادرة في إنقاذ لبنان، حتى أنّه تمّ تنظيم زيارات لوفود حزبية وشعبية إلى البطريرك في مقرّه في بكركي، والتي تُوّجت يوم السبت الماضي (27 فبراير) بوفود شعبية، زحفت إلى الصرح البطريركي، تعلن الدعم والتأييد، وقد رفض أمامها الراعي أن يكون في لبنان جيشان ودولتان، وظلّ متمسكاً بلبنان الواحد بصيغته القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، من خلال التركيز على دستور ووثيقة الوفاق الوطني التي كرّست ذلك، كما تمسّك بمبدأ الحوار.
إذاً لبنان اليوم أمام دعوة من الراعي إلى تنظيم مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة. وقبل بضع سنوات، وتحديداً في العام 2012، في أوج انطلاق الثورات العربية، دعا أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، يومها إلى مؤتمر تأسيسي يعيد إنتاج النظام السياسي في لبنان من خلال حوار وطني جامع ومفتوح، ومواكب لأجواء «الربيع العربي» في بعض الأقطار العربية. ورُفضت الدعوة يومها، واعتبرها بعضهم محاولة انقلابية لتعديل النظام السياسي بما يخدم تطلعات الحزب ومسيرته في حينه.
لبنان اليوم أمام الدعوة إلى مؤتمر دولي، وأمام استذكار الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي، واستذكار الموقف من كلتا الدعوتين يعيش لحظات حرجة وصعبة ومفصلية، فلا درب المؤتمر الدولي سالكا ومحل ترحيب وقبول من كل الأطراف الفاعلة داخلياً وخارجياً، ولا المؤتمر التأسيسي، أو إذا شاء أحدهم أن يسمّيه الحوار الوطني في ظل اختلال موازين القوى الداخلية يمكن أن يُفضي إلى إصلاح حقيقي للنظام. وبالتالي، سيحوّل هذا المشهد لبنان أكثر فأكثر إلى ساحة لتصفية الحسابات، بل ربما إلى ساحة صراع حقيقية بين الأطراف الفاعلة والمؤثّرة والمتصارعة في الإقليم، وهذا ما سيجعل المرحلة المقبلة في لبنان أكثر خطورة على البلد على المستويات الاقتصادية والسياسية، وحتى الأمنية.
تنبئ وتيرة مواقف البطريرك الراعي بأنّ الرجل يراهن على دعم دولي لتغيير الصورة النمطية القائمة في البلد. وتنبئ صلابة المواقف المقابلة حتى اللحظة بأنّ الأمور قد تخرج عن المألوف والسيطرة.
وفي الشهور المقبلة سيتقرر مصير لبنان، ولكن بعد أن تشهد ساحاته حراكاً قد يكون من نوع مختلف هذه المرّة.
copy short url   نسخ
03/03/2021
232