+ A
A -
بقلم: د. بثينة حسن الأنصاري خبيرة تطوير التخطيط الاستراتيجي والموارد البشرية
المسؤولية المجتمعية قيمة عظيمة من القيم الإنسانية، تقع على عاتق فئات عديدة في المجتمع، يأتي في المقدمة منها الشركات بأنواعها وبصرف النظر عن حجمها، ومن ثم البنوك وأصحاب المليارات والملايين من رجال الأعمال، ونجوم المجتمع مثل مشاهير كرة القدم والفن على سبيل المثال، لكن جرت العادة أن معظم الأنظار تكون متجهة في الغالب إلى ما تتحمله الشركات من المسؤولية المجتمعية، لأن رسالتها في الأساس خدمة المجتمع الذي تأسست فيه وتنتمي إليه.
وبمقتضى المسؤولية الاجتماعية الواقعة على عاتق الشركات والمؤسسات الوطنية، فإنها تلتزم طواعية بالمساهمة في تطوير وتحسين المستوى المعيشي والتعليمي والثقافي والاقتصادي والضمان الاجتماعي لأفراد المجتمع، سواء كانوا من العاملين المنتسبين لها، أو العملاء والمساهمين فيها، أو من المواطنين العاديين والطلاب وفئات ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك من خلال تخصيص تبرعات مالية أو عينية، أو توفير حزمة من الخدمات المتنوعة، وتبني نماذج من المواهب الصاعدة التي أظهرت نبوغا ما في مجال من المجالات، والمبادرة إلى إنشاء أو المساهمة في إنشاء مرافق خدمية كالمستشفيات والمدارس والطرق والجسور.. إلخ.
وللإنصاف نؤكد على أن الوعي بأهمية المسؤولية المجتمعية لدى عدد من المؤسسات والشركات في قطر أخذ يتنامى ويزداد عن ذي قبل، لكننا نظل نطمح إلى المزيد، فما تقدمه الشركات من مساهمات يعتبر قيمة مضافة لها، نعم لدينا شركات كبرى مساهماتها الطواعية مشهودة في تنمية المجتمع، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر «Ooredoo»، و«قطر شل»، و«بلدنا» و«قطرغاز»، وبورصة قطـر، وهـيـئـة الأشـغـال الـعـامـة «أشـغـال»، وهـايـبـر مـاركـت الـلـولـو، والــشــركــة الأوروبـــيـــة لـلـحـراسـة والــخــدمــات الأمـنـيـة، ولدينا أيضا شركات تكتفي بالقليل كمساهمة في الأعمال الخيرية، ولكنها مساهمة لا ترقى إلى مكانة الشركة وسمعتها في السوق، فضلا عن أنها تتحصل مقابل هذه المساهمات على مزايا تفوق أضعاف ما تقدمه كإعفاءات ضريبية أو منح تشجيعية، وما إلى ذلك مما توفره الدولة من برامج الدعم، وللأسف توجد شركات تتردد كثيرا في أداء واجباتها المتمثلة في المسؤولية المجتمعية، حرصا منها على المزيد من الأرباح، وتظل يدها مغلولة إلى عنقها، ولا تحذو حذو نظيراتها سواء في قطر أو المنطقة أو حتى على مستوى العالم، وقد تأكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الشركات تخسر كثيرا من رصيدها لدى الناس مع مرور الأيام، لأن ذاكرة الشعوب دائما قوية.
نتمنى أن نرى سماء قطر الحبيبة وهي مرصعة بنجوم بمزيد من الشركات التي يشار إليها بالبنان في تعظيم المسؤولية المجتمعية، والتمكين لثقافة المشاركة في النهضة والتنمية، والمساهمة في تحقيق الرؤية الوطنية 2030، نتطلع إلى أن نرى مستشفى قائما مكتملا تبرعت ببنائه شركة كذا، أو مدرسة كاملة التجهيزات أنشأتها الشركة الفلانية، أو موهبة من المواهب برزت وحققت إنجازات في الاختراعات والاكتشافات رعتها وأنفقت عليها شركة ما، وليس هذا فحسب بل إن المجال واسع أمام الشركات الوطنية لتعزيز قيمة المسؤولية المجتمعية، نطمح إلى أن نرى دعمها يتسع ليشمل فئة مهمة في مجتمعنا القطري، هي فئة أبناء القطريات المتزوجات من غير قطريين، أمهاتهن قطريات من أبناء جلدتنا، يعشن في قلق بالغ على مستقبل أولادهن، فيجب علينا ألا ندعهن فريسة للقلق، وقطر بأهلها بلد كريم يؤسس مشاريع تنموية في طول العالم وعرضه، ولن يعجز شركاتها الوطنية سواء حكومية أو خاصة أن تخصص نسبة من وظائفها لأبناء القطريات لتطمئن قلوب أمهاتهن، أيضا هناك فئة أخذت على عاتقها تحصين المجتمع وشبابه من الأفكار الهدامة فأنشأت منصات على السوشال ميديا تزكي مشاعر الوطنية والولاء والانتماء من خلال محتوى رصين وأمين يتضمن أخبارا صادقة عن كل ما هو جديد أولا بأول متميزة في ذلك بالسبق الصحفي وإخراج جذاب مشوق مثل نديب قطروشبكة الجسرة الإخبارية وشبكة قطرقروب وشبكة أهل قطر الأولى كذلك لدينا العديد من التطبيقات المحلية مثال تطبيق صفحات للكتب المسموعة وتطبيق سنونو وتطبيق ماركتي وغيرها العديد من التطبيقات، فدعم هذه المنصات والتطبيقات يعد من صميم المسؤولية المجتمعية تشجيعا للعاملين عليها ممن يبذلون المال والوقت والجهد في خدمة المجتمع.
لدينا قدوة حسنة تتمثل في صندوق الصداقة القطري أحد برامج التمويل التابعة لصندوق قطر للتنمية المكلف بتمويل كل المشاريع الإنسانية التنموية التي تساهم بها دولة قطر في جميع أنحاء العالم، فهذا الصندوق ينفذ برامج ومشاريع في أكثر من 90 دولة، بقيمة إجمالية تتراوح بين 500 و600 مليون دولار سنويا، فنتمنى من شركاتنا أن تحذو حذوه على المستوى المحلي، نتمنى أن تزداد أعداد الشركات والمؤسسات الأفراد الذين يتم تكريمهم كل عام في احتفالية الزميلة جريدة «الشرق» الغراء التي أخذت على عاتقها مبادرة الاحتفاء بنجوم المسؤولية المجتمعية من الشركات والأفراد من خلال لجنة جائزة المسؤولية المجتمعية.
نسعى حثيثا نحو تحديد معايير واضحة وشفافة لمفهوم المسؤولية المجتمعية للشركات، عبر الانتقال من مجرد المساهمة في الأنشطة الخيرية إلى تنفيذ مبادرات تنموية محكمة التنظيم على أرض الواقع، وأقترح تصميم مؤشر باسم المؤشر القطري للمسؤولية المجتمعية، ومن مجمل التوصيات كذلك تطوير حاضنة لرعاية الأعمال المجتمعية الرقمية المحلية وأيضا تدشين مظلة للشخصيات القطرية الأكثر تأثيرا في مجال المسؤولية المجتمعية عندها سوف تتسابق الكثير من الشركات المحلية الخيِّرة لتحويل مبادراتها إلى واقع ملموس يعمل على تحسين حياة الناس، فلم يعد تقييم المجتمع لشركات القطاع الخاص يعتمد على ما تحققه من أرباح سنوية فقط، ولكن دخلت معها قيم مجتمعية جديدة مثل ما تساهم به هذه الشركات في البنية التحتية وبرامج التنمية المستدامة.
صحيح أنه تم ضبط «المسؤولية الاجتماعية للشركات» عالميا بمواصفات معيارية من قبل المنظمة العالمية للمعايير أطلق عليها (ISO 26000)، التي صدرت في عام 2010م. تغطي سبعة جوانب رئيسة في المسؤولية الاجتماعية لتكون المرجعية الواضحة للممارسات الاجتماعية المسؤولة المعتمدة، التي تستطيع الشركات الرجوع إليها وهي: حقوق الإنسان، والممارسات العمالية، وممارسات التشغيل، وقضايا المستهلك، وتنمية المجتمع، والمحافظة على البيئة، بالإضافة إلى الشفافية.
غير أني أرى أن هذه المعايير لا تناسب كل الدول مجتمعة لأن لكل دولة ظروفها الخاصة بها، ولكل دولة مكانها على خريطة النظم الاجتماعية والتنموية، فمن الأفضل أن يكون لكل دولة معايير خاصة بها بحسب احتياجاتها، وهذا ما بدأت تأخذ به دول كثيرة حول العالم.
والآن أختم بالقول إذا كانت المسؤولية المجتمعية واجبة على الشركات في كل الأحوال، فهي فرض عليها في أوقات الأوبئة والأزمات، مثل وباء كورونا الذي يجتاح العالم، ففي العام الماضي 2020 انتظمت شركات عالمية، كما انتظم مشاهير في الرياضة والفن في ماراثون المسؤولية المجتمعية وتبرعوا بسخاء في سبيل مكافحة فيروس كورونا، وجاء في مقدمة المتبرعين بيل جيتس، ثانى أغنى شخص في العالم، معلنا أن مؤسسة «بيل ومليندا جيتس» خصصت 100 مليون دولار للمساعدة في مكافحة الفيروس وإنشاء مستشفيات لعلاج وعزل المصابين، ونشرت مجلة فوربس العالمية أن الملياردير الصيني جاك ما مؤسس شركة «علي بابا»، تعهد بدوره بتقديم 14 مليون دولار من مؤسسته للمساعدة في الدراسات التي تعمل على إيجاد مصل لفيروس كورونا، فضلا عن 500 ألف جهاز اختبار ومليون قناع وجه، وفي إيطاليا تعهدت شركات ماركات الملابس الجاهزة بكل أرباحها لعام 2020، وفي مجال الرياضة كان من أبرز المتبرعين في مجال الرياضة تبرع نجم برشلونة ميسي بمليون يورو، وتبرع نجم يوفنتوس كريستيانو رونالدو بمليون يورو، وتبرع نجم ليفربول محمد صلاح بأكثر من عشرين مليون جنيه مصري، وهذه مجرد نماذج على سبيل المثال لا الحصر أن هناك عشرات بل مئات الشركات والأفراد لهم أياد بيضاء في عمل الخير سواء في مجتمعاتهم أو خارج مجتمعاتهم، والله من وراء القصد.
copy short url   نسخ
02/03/2021
5510