+ A
A -
د. فاطمة سعد النعيمي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
السّخاء هو الجود والكرم، ومن ثمّ يكون السّخيّ هو الجواد الكريم. وقال الماورديّ- رحمه الله تعالى-: حدّ السّخاء: بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة، وأن يوصل إلى مستحقّه بقدر الطّاقة. وقال ابن حجر: السّخاء: بمعنى الجود، وهو بذل ما يقتنى بغير عوض، وقال الجاحظ: السّخاء بذل المال من غير مسألة ولا استحقاق، وهذا الفعل مستحسن ما لم ينته إلى السّرف والتّبذير؛ فإنّ من بذل جميع ما يملكه لمن لا يستحقّه لم يسمّ سخيّا، بل يسمّى مبذّرا مضيّعا.
ويذكر ابن القيّم أنواع السخاء ودرجاته فيقول: إذا كان السّخاء محمودا، فمن وقف على حدّه سمّي كريما وكان للحمد مستوجبا، ومن قصّر عنه كان بخيلا وكان للذّمّ مستوجبا. والسّخاء نوعان: فأشرفهما سخاؤك عمّا بيد غيرك، والثّاني سخاؤك ببذل ما في يدك، فقد يكون الرّجل من أسخى النّاس، وهو لا يعطيهم شيئا لأنّه سخا عمّا في أيديهم، وهذا معنى قول بعضهم: السّخاء أن تكون بمالك متبرّعا، وعن مال غيرك متورّعا.
وقال ابن قدامة المقدسيّ: اعلم أنّ السّخاء والبخل درجات: فأرفع درجات السّخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه.
وأشدّ درجات البخل، أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشّهوة فيمنعه منها البخل.
فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين من يؤثر على نفسه مع الحاجة. فالأخلاق عطايا يضعها الله- عزّ وجلّ- حيث يشاء. وليس بعد الإيثار درجة في السّخاء. وقد أثنى الله- تعالى- على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالإيثار، فقال: (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)، وكان سبب نزول هذه الآية قصّة أبي طلحة، لمّا آثر ذلك الرّجل الجود بقوته وقوت صبيانه.
قال أبو هلال العسكريّ: الفرق بين السّخاء والجود أنّ السّخاء هو أن يلين الإنسان عند السّؤال ويسهّل مهره (إعطاءه) للسّائل من قولهم سخوت النّار إذا ألنتها... ولذلك لا يقال لله تعالى: سخيّ، والجود كثرة العطاء من غير سؤال، من قولك: جادت السّماء إذا جادت بمطر غزير، والله تعالى جواد لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة.
لذا فإن صاحبه محمود في الدّنيا والآخر، ويدل على الزّهد في الدّنيا وحبّ الآخرة، كذلك يكسب السّيادة في الدّنيا والآخرة، وتستغفر الأرض والحفظة لموت السّخيّ، وطريق من طرق النّبيّين والسّلف الصّالح.
{ أستاذ التفسير وعلوم القرآن
كلية الشريعة جامعة قطر
copy short url   نسخ
01/03/2021
2681