+ A
A -
بيار عفيفي كاتب لبناني
حين تكون لبنانياً، ستستوقفك عبارات ومصطلحات طائفية عديدة. في بعض الأحيان، ستضحك، خصوصاً إذا حملت تلك المصطلحات عباراتٍ متناقضة، أو ستبكي لأن الذهنية جامدة وسبل التفكير محدودة. ستستوقفك أيضاً كيفية اعتقاد كثيرين من أبناء جلدتك أن تلك الشعارات «صحيحة ومنطقية»، لأن «الآخر يريد إلغائي». تحتار في كيفية الردّ عليهم وإقناعهم، وتأكيد أن «لا أحد يريد إلغاء أحد ولا أحد قادر على ذلك أيضاً». تشدّد على أن البشر في لبنان مواطنون ومقيمون، يعانون من الأزمات الاقتصادية والطبية والاجتماعية نفسها.
ولكن، هل يسمع أحدٌ ذلك؟ ربما قلّة تثق بأن الحياة في لبنان تجاوزت مسيحييه ومسلميه منذ زمن طويل، وأن الدولار حين يعصف بالليرة اللبنانية لا يبالي بما إذا كانت مسيحية أو مسلمة. حين يُقال لك: «نريد الحفاظ على حقوق المسيحيين»، تنظر حولك وترى مسيحيين يعانون من شظف العيش. منهم من يهاجر، ومنهم من يموت على أبواب المستشفيات، ومنهم من يعجز عن تأمين الطعام لأولاده، ومنهم من بات بلا عمل، ويستغيث بالمؤسسات الدينية والرسمية لإنجاده.
لا أحد يصمد في السلطة إلى الأبد في لبنان، كل شيء متحرّك، القوة والنفوذ والديمغرافيا، وحين يقتنع اللبنانيون بذلك، يُمكن لهم استعادة وعيهم والتفكير بهدوء في بناء مسار مغاير جذرياً عن السابق، من أجل حماية مستقبلهم ومستقبل أبنائهم. مسار ينطلق من التعاطي بشفافية بين بعضهم بعضا، وطرح كل الهواجس على طاولة حوارية تُنشئ عقداً جديداً، تسمح بحماية المجتمع والفرد فيه، بدلاً من تحويله إلى عنصر طائفي يحيا على وقع استنفار أبدي لمواجهة «آخر» قد لا يبعد عنه سوى بضعة أمتار، وسبق أن احتكّ معه في يوميات الحياة. هل تعلمون أن التمسّك بالشعارات الطائفية قد يؤدي إلى إحياء مطلق حزب طائفي والمنتفعين منه والانتهازيين فيه فترة قصيرة، لكنه، على المديين المتوسط والطويل، سيُدمّر القاعدة الشعبية التي انطلق منها هذا الحزب، بل ستشعر هذه القاعدة بالإحباط، حين يسقط، وتظنّ أن حياتها توقفت وانتهت؟ هل تدركون أن معظم الأحزاب سقطت وستسقط، بينما سيبقى الفلاح في قريته والتلميذ في مدرسته والطبيب في مستشفاه؟ هل تعلمون أن حقوق الطوائف ليست حقيقة أصيلة، بل مجرّد وهم يريدون تكريسه في عقولنا، لمنعنا من التفكير بمدى رحابة المواطنية، المؤدية إلى التسامح الفكري والنفسي إزاء أي فرد أو مجتمع نعتبره مختلفاً عنا؟
إنه لبنان، أرض الرمال المتحرّكة التي لا يُمكن لأحد النجاة منها منفرداً، بل عليه التعاون مع الغارقين معه في هذه الرمال للبقاء على قيد الحياة.
copy short url   نسخ
28/02/2021
144