+ A
A -
كتب محمد الجعبري
أكدت الدكتورة شريفة نعمان العمادي، المدير التنفيذي لمعهد الدوحة الدولي للأسرة، على القيمة العالمية للمعهد كأحد المراكز البحثية المعنية بالأسرة العربية ومناصرة قضاياها لدعم أواصرها لإخراج كوادر متميزة تساهم في بناء المجتمع العربي، مشيرة إلى الدراسة التي قام بها المعهد الفترة الأخيرة تحت مسمى «حالة الزواج في العالم العربي» والذي قدم تحليلًا للهجرة والحروب والصراعات في العالم العربي المعاصر وأثرهما على مؤسسة الزواج واستقرارها.
كما أشارت إلى دراسة الزواج في دولة قطر ضمن دراسة الحالة في دول الخليج العربي، حيث تمت ملاحظة نزعة الأجيال الحالية للزواج من خارج دائرة الأقارب، كذلك البعد عن الزواج المبكر وظهور أنماط جديدة من الزواج، مشيرة إلى أن هذه التقرير تدعوا الباحثين لمحاولة إيجاد فهم عميق لأبعاد ظاهرة الزواج عربيًا، وتأثيرها على بناء المُجتمع.
ونوهت في حديث للوطن، إل قيام المعهد بعمل دراسة حول تأثير فيروس كورونا المستجد على التماسك الأسرى، حيث أظهرت النتائج أن 64 بالمائة من المشاركين أشاروا إلى أن فيروس كورونا أثر على تماسك الأسرة بشكل إيجابي، كما أظهرت النتائج ان 55.3 بالمائة من المشاركين اشاروا إلى أن علاقتهم الأسرية أصبحت متقاربة مع بعضهم البعض، مشيرة إلى انخفاض نسبة جدال الأهالي أمام أطفالهم في قطر، كذلك انخفاض العنف المنزلي خلال فترة الجائحة بنائا على نتائج دراسة رفاه الطفل التي قام بها المعهد..وإلى نص الحوار:
الأسرة العربية
{ في البداية حدثينا عن دور معهد الدوحة الدولي للأسرة.. وأهم أنشطته.
- معهد الدوحة الدولي للأسرة هو معهد عالمي معني بإثراء القاعدة المعرفية حول الأسرة العربية ومناصرة لقضايا الأسرة عن طريق تعزيز ودعم السياسات الأسرية القائمة على الأدلة على الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية.
ويعد المعهد عضواً في مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، ويسهم بدور حيوي في جهود مؤسسة قطر الرامية إلى بناء مجتمعات تنعم بالصحة وتتمتع بأرقى مستويات التعليم وقوامها الأُسر المتماسكة والمتلاحمة في دولة قطر والمنطقة بأسرها، ويتمتع المعهد بصفة استشارية خاصة مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
وتتمثل رسالة المعهد في تعزيز تماسك الأسرة العربية من خلال البحوث والسياسات والتواصل والمناصرة على المستويات الوطنية والإقليمة والدولية.
{ ما أهمية دور المؤسسات المعنية بشؤون الأسرة في دعم المجتمع؟
- يتركز جهد معهد الدوحة الدولي للأسرة، بالشراكة مع باقي مؤسسات الأسرة في قطر وخارجها، على دراسة الأسرة العربية ومناصرتها، إيمانًا منّا بأن الأسرة كانت وستبقى حجر الأساس لبناء المُجتمعات القويمة. ولبناء مُجتمع مدني قويم وسليم، يتطلب منا أن نولي جزءًا من جهدنا للعناصر المكونة لهذا المُجتمع، وأن نتناول قضاياه الأساسية، وأن نرى في التغيرات الحاصلة في الآونة الأخيرة، وأثرها على الأفراد والمُجتمع، ونظرتهم تجاه فكرة الاستقرار والأسرة، والمحافظة على مفاهيم الارتباط الأسري وغيرها.
لذا يمكنني القول إن واجبنا هو أن نعزز، وأن نناصر نقطة انطلاقة الإنسان إلى العالم، وبهذا نخلق مُجتمعًا متماسكًا.
دراسة شاملة
{ قدّم المعهد مؤخرًا دراسة شاملة حول «حالة الزواج في العالم العربي».. ما هي أهم المواضيع التي تطرق إليها البحث؟
- استوحينا فكرة إعداد التقرير من رؤية المعهد في السعي نحو الدراسة والبحث بما له علاقة بالأسرة العربية. وبعد بحث مطوّل عن أهم الظواهر والقضايا الأسرية في العالم العربي، ارتأينا أن يكون التقرير عن الزواج، وأن نعطيه أولوية قصوى، فهو النواة الأولى لنشأة الأسرة وبداية تكوينها.
يعتمد التقرير على الشمولية في الطرح العلمي متعدد المناهج، وذلك لتوصيف وفهم ظاهرة الزواج في العالم، ووضع تأطيرًا لكافة العوامل السياقية والكلية المحيطة بالزواج والمؤثرة فيه، وقدَّم أيضًا رصدًا لأنماط الزواج المتعددة، سواء كانت تقليدية أو مستحدثة، كما يناقش التقرير، بالتفصيل والتخصيص، الإشكاليات المرتبطة بهذا الموضوع، مثل الزواج المبكر والعنف المنزلي وتأخر الزواج وتأثير عمل المرأة. إلى جانب تقديمه تحليلًا خاصًا لموضوعي الهجرة والحروب والصراعات في العالم العربي المعاصر وأثرهما على مؤسسة الزواج واستقرارها.
كما تفضلت وذكرت، فقد تميز البحث بتغطيته للدول العربية جميعها، وكان علينا أن نجد الطرق المناسبة لإيجاد الحلول لرد الفجوات وتدقيق المعلومات، ولهذا اعتمد المعهد على منهجية المراجعة المنضبطة للأدبيات المنشورة وغير المنشورة والتحليل النقدي بالاستعانة بفريق بحثي مؤلَّف من سبعة عشر باحثًا عربيًّا، منهم سبعة باحثين رئيسيين، وعشرة كُتَّاب للأوراق المرجعية.
استغرق إنشاء التقرير عامين من العمل المتواصل مع نخبة من الباحثين والشباب من خلفيات عدة، والمهتمين بهذه القضية، وهو ما جعل التقرير واسعًا ومتفردًا في المساحات التي يغطيها.
تأثير الحرب على الزواج
{ كيف وجدتم النتائج وخاصة المتعلقة بقطر؟
- أعد المعهد سبعة تقارير فرعية داخل الدراسة، لتدرس كل مجموعة من الدول العربية في سياقاتها الخاصة، وظروفها الفريدة، وكيف أثرت تلك الظروف على الزواج والمُجتمعات. فالحرب والهجرة والنزوح والفقر في دول المشرق العربي، أحدثت تغيرات كثيرة على بنية الزواج وتنوع أنماطها وخروجها في بعض الأحيان عن المألوف دينًا وعرفًا.
وكانت دراسة حالة الزواج في قطر ضمن دراسة الحالة في دول الخليج العربي، نظرًا لتقاسمها قدرًا مشتركًا من العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والتي كانت محددات أساسية للظواهر التي برزت في تلك الدول من نشأتها كدول مستقلة. أهم تلك الظواهر، حول تحول دول الخليج إلى النمط الإنتاجي بعد أن كانت تعيش على النموذج الريفي، وصار لديها انقلاب بتجاه النمط الصناعي المعتمد بشكل مباشر على اكتشاف البترول في هذه الدول مجتمعة خلال منتصف القرن الميلادي المنصرم.
تبنى التقرير مدخلًا تنمويًا ووظيفيًا لتفسير ظاهرة الزواج في الخليج، بالاعتماد على ثنائية الاستقرار والتغيّر، خصوصًا أن تلك الدول عايشت مرحلتين (مرحلتي ما قبل النفط وما بعده)، وعرض التقرير لمدى عمومية الزواج في دول الخليج، ولاحظ اختلافًا مع مرحلة ما قبل النفط، إذ تنزع شريحة من الذكور والإناث الآن للتأخر في الزواج، بسبب عوامل بنائية مثل التعليم أو ارتفاع تكاليف الزواج أو اتجاه الذكور للزواج من خارج الوطن.
ولوحظ أيضًا أن ثمة نزوعا للزواج من خارج دائرة الأقارب حديثًا، على العكس مما كان الأمر عليه قبل اكتشاف النفط، إذ كان الزواج قرابيًا داخليًا وقتها، كما أن التقرير قد وصل إلى نتائج أخرى عديدة مثل الجنوح والابتعاد عن الزواج المبكر، وظهور أنماط مستحدثة من الزواج مثل المسيار والمسفار ونحوهما، كما لاحظ الباحثون تغيرات جذرية مرتبطة بالزواج، إذ تغير نمطها المتسم بالحميمية والاستقرار والتماسك إلى الجفاء والتنافر نتيجة للتحول من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، ولا نغفل أيضًا أثر مسألة العمل عند الزوجين على الحياة الزوجية وانعكاساتها، خاصة مع تزايد تعليم المرأة، وصولها إلى مناصب رئيسية وكبيرة.
يمثل هذه التقرير دعوة فكرية وتأملية للباحثين لمحاولة إيجاد فهم عميق لأبعاد ظاهرة الزواج عربيًا، وتأثيرها على بناء المُجتمع، خصوصًا أن الزواج مدخل للخصوبة والإنجاب والتي تعد مسألة قومية يجب الالتفات والاستجابة لما يواجهها من صعوبات وإشكاليات.
{ حدثينا عن النتائج البحثية لدراسة تأثير كورونا على تماسك الاسرة.
- كان العام الماضي، عامًا صعبًا على الجميع بلا منازع، وكان ثقيلًا بشكلٍ خاصٍ على الأسر والأزواج والأطفال، خصوصًا أنهم لا يخرجون من البيت، وتوقفت نشاطات المدارس وفعاليات اللعب الخارجي تمامًا. إلا أن دولة قطر تصدت للأزمة بسرعة واقتدار، واستخدمت بنيتها الرقمية التحتية والتي كانت تعمل عليها لعشرات السنين، لتساعد الناس في الوصول إلى الخدمات الرئيسية والاستشارات عند الحاجة إليها.
ولأن الأسرة الخليجية عامة، والقطرية خاصة، تعرف بخصائصها القوية والمتينة وقرب أفرادها من بعضهم البعض. فقد وجدت دراسة أقامها المعهد حول رفاه اليافعين، أنه ومع الجائحة، أصبح الوالدين يقضيان وقتًا أكثر مع أبنائهم، وزادت مشاركتهم في النشاطات المختلفة، وهو ما كان له دور فعال في تقليل نسب المشاكل النفسية والسلوكية السلبية، والتي أدت الجائحة في كثير من الدول إلى مضاعفتها.
بالإضافة إلى دراسة أخرى أجراها معهد الدوحة الدولى للأسرة حول تأثير فيروس كورونا المستجد على التماسك الأسري، وذلك بالتعاون مع فريق من قسم العلوم النفسية - كلية التربية جامعة قطر.
وكان هدف الدراسة هو استكشاف التحديات والآثار السلبية والإيجابية لفيروس كورونا على التماسك الأسري، واكتساب فهم أفضل لها من المنظورات الاجتماعية والتعليمية والمالية والنفسية؛ لتساعد الأدلة في اقتراح برامج التدخل والسياسة القائمة على أفضل الممارسات لتعزيز مرونة الأسرة.
اتبعت عملية جمع البيانات كلا من الأساليب الكمية والنوعية. تم اختيار عينة من 703 مشاركين - 74.6 % قطريون و25.4 % غير قطريين، 78.7 % من المشاركين من الإناث و21.3 % من الذكور.
أظهرت النتائج الأولية من العينة الكمية، بشكل عام، أن 64 بالمائة من المشاركين أشاروا إلى أن فيروس كورونا أثر على تماسك الأسرة بشكل إيجابي من خلال العديد من المؤشرات، كما أظهرت النتائج ان 55.3 بالمائة من المشاركين أشاروا إلى أن علاقتهم الأسرية أصبحت متقاربة مع بعضهم البعض، وهذا يدل على أن التماسك الأسرى أصبح قويًا في ظل الجائحة وأن الأسرة بالرغم من التحديات التي واجهتها، إلا أنها كانت قوية ومترابطة في وجه هذه الجائحة التي أثرت على الأسرة من جميع النواحي، وأيضًا في إيجاد حلول للتعايش مع هذه الأزمة.
الزواج في قطر
{ ماذا عن ارتفاع نسب الطلاق والانفصال في قطر أثناء الجائحة؟
- في الواقع، واختلافًا مع الإحصائيات الدولية التي تشير إلى ارتفاعٍ هائل في نسب وأعداد الطلاق حول العالم، انخفضت نسبة جدال الأهالي أمام أطفالهم في قطر، وأيضًا قلت نسبة العنف المنزلي خلال فترة الجائحة بناء على نتائج دراسة رفاه الطفل التي قام بها المعهد.. في الدراسة التي ذكرت أننا أجريناها مع فريق من قسم العلوم النفسية - كلية التربية جامعة قطر، حول تأثير فيروس كورونا على التماسك الأسري، أظهرت النتائج أن العلاقات الزوجية أثناء الجائحة كانت إيجابية، فقد ذكر المشاركون أنهم يقضون وقتا أكثر مع بعضهم البعض وهذا جعلهم أكثر تقاربًا.
وإن دل هذا على شيء، فهو يدل على قوة وتماسك الأسر في المجتمع القطري، وقدرتها على معايشة مواجهة الصعوبات.
{ هل بإمكانك إعطاؤنا نبذة عن أهداف مؤتمر معهد الدوحة الدولي حول «الزواج: التأسيس ومقومات الاستمرار».. والمواضيع التي سيناقشها؟
- بالطبع. يأتي المؤتمر متماشيًا مع الإطار العام لمعهد الدوحة الدولي للأسرة في اهتمامه بقضايا الأسرة ومناصرتها. وكما وجدنا عند إعداد التقرير الذي تحدثنا عنه مسبقًا أن الزواج يستحق أولوية في التناول كونه اللبنة الأولى، قررنا أن نناقش مع صانعي السياسات، وعلماء الاجتماع، والباحثين، وممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والشباب، قضية الزواج في العصر الحديث والتحديات التي تواجهه وكيف تغيرت وجهات النظر تجاهه، وكيف أثّرت العوامل المختلفة في الدول العربية على انتشاره واستقرارهِ.
سيكون المؤتمر افتراضيًا، وسيحتوي على عشرِ جلسات رئيسية، وعددٍ من ورش العمل والفعاليات الأخرى التي سُتقام قبل وبعد المؤتمر، بالشراكة مع مجموعة من مؤسسات الاستشارات الأسرية في قطر وباقي الدول العربية.
copy short url   نسخ
27/02/2021
1129