+ A
A -
نشرت مجلة The Nation الأميركية مقالاً للأكاديمي الأميركي ذي الأصول اللبنانية جيمس زغبي، يتحدث فيه عن الحاجة الماسة إلى تصحيح مسار تعامل واشنطن مع قضايا الشرق الأوسط، تزامناً مع رحيل إدارة دونالد ترامب وصعود إدارة جو بايدن.
وقال زغبي إنه في وقتٍ تشرع خلاله إدارة بادين المنتظرة في صياغة نهجها المتبع في تعاملها مع منطقة الشرق الأوسط يجب توضيح عديد من الأشياء، أولها أنه لا يمكن ببساطة العودة إلى الوضع السابق، «بإعادة إحياء الاتفاق النووي أو استئناف محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية». وأوضح أنه يجب إيلاء الاعتبارات إلى الحقائق الجديدة حول المنطقة، ويجب تعلم الدروس من إخفاقات الماضي، حسب تعبيره.
أميركا لم تعد قائدة للعالم
يرى زغبي أنه من المهم الاعتراف بعدم امتلاك الولايات المتحدة الدور القيادي المهيمن الذي كان لديها قبل عقدين من الزمان، وإن كانت لا تزال تُبقي على مَوَاطن القوة والموارد الهائلة، فثمة أطراف فاعلة إقليمياً وعالمياً، تنخرط في المناطق الساخنة حول الشرق الأوسط، انخراطاً يتسم بتنوع تركيباته (في ليبيا وسوريا والعراق ولبنان واليمن والصومال، وسباق الموارد في شرق المتوسط، وتدفق السلع عبر الخليج والبحر الأحمر).
ولعل ما يحدث الآن حول المنطقة لم يصل بعد إلى حجم الحربين اللتين دمَّرتا أوروبا، ولكنه الوقت الملائم للتعامل مع هذه الصراعات المتصلة حول الشرق الأوسط، كما لو أنها تساوي حرباً إقليمية أو عالمية. وأضاف زغبي: «من الأهمية بمكان الاعتراف باستحالة انتقاء سفاسف الأمور والتعامل مع القضايا مجزأةً». فبدلاً من محاولة التعامل مع كل صراع إقليمي على حدة، سيكون الأكثر حصافة للولايات المتحدة أن تتعامل مع أطراف مجموعة 5+1، المكونة من الأعضاء الخمسة الدائمين بالأمم المتحدة، إضافة إلى ألمانيا، لبناء دعم دولي من أجل نظرة شاملة لحل الأزمات المتصلة التي تمزق الشرق الأوسط في الوقت الحالي.
ينبغي أن يكون الهدف وراء هذا هو عقد مؤتمر دولي يضم كل الأطراف تحت رعاية الأمم المتحدة. ويمكن أن يكون الموضوع الرئيسي على رأس جدول الأعمال، تأسيس إطار أمني إقليمي (أي شيء مماثل لنسخة الشرق الأوسط من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا) يقدم لجميع الدول ضمانات أمنية مقترنة بالتزامات بعدم التدخل وعدم الاعتداء. ويمكن كذلك أن يعمل على تأسيس هيكل إقليمي يعزز التجارة والاستثمار ومزيداً من التكامل الاقتصادي.
فضلاً عن أنه سيصير منصة دائمة للحوار وحل الصراعات، يمكن لمثل هذا المؤتمر الدولي أن يقدم مظلة لفرق العمل المختصة بالمتابعة، حيث يمكن لجميع المشاركين ذوي الصلة أن ينخرطوا في جهود معالجة كل القضايا المثيرة للقلق في المنطقة. على سبيل المثال ستكون هناك حاجة لوجود نقاشات مركّزة حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحروب المستعِرة في سوريا واليمن وليبيا، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل، والدور الذي يضطلع به التطرف الطائفي، وضمانات التدفق المجاني للبضائع والموارد عبر الطرق المائية في المنطقة.
نهج إقليمي واسع
يقول زغبي، قد تُحجم أطراف عن الجلوس مع أطراف أخرى، ولكن مع اعتزام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي تبنِّي هذه الجهود، ومع استخدام الضغط والحوافز يمكن إحضار هذه الأطراف إلى طاولة المفاوضات.
إذ إن العمل الذي نُفِّذ خلال إدارة جورج بوش لحشد دعم دولي موسَّع لتحرير الكويت بعد غزو العراق في عام 1990، ثم مع نهاية الحرب عقد مؤتمر مدريد للسلام (رغم رفض إسرائيل والعرب في البداية)، ومحاولات إدارة أوباما لحشد مجموعة 5+1 للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني، تقدم جميعها دروساً واضحة يمكن أن تنطبق هنا.
على سبيل المثال، تطلّب دفع الإسرائيليين للموافقة على المشاركة في مؤتمر مدريد استخداماً عبقرياً لسياسة العصا والجزرة، كانت المشكلة أن واشنطن بدت كما لو أنها استنفدت ترسانتها من سياسة العصا والجزرة من أجل إحضار العرب والإسرائيليين إلى مدريد وحسب. ومع نفاد الأسهم من جعبة الرامي الأميركي الساعي لإقناع كافة الأطراف خلال المفاوضات اللاحقة تعثرت هذه الجهود.
وقال زغبي إن التركيز على موضوع البرنامج النووي الإيراني وحده وتجاهل تدخل إيران في الشؤون الإقليمية للبلاد الأخرى، أدى إلى تفاقم انعدام الأمان بين دول الخليج، التي ينتابها القلق من دور إيران في العراق وسوريا ولبنان، وفي اليمن على وجه الخصوص.
وفي ظل تطور الأوضاع خلال السنوات الخمس الماضية، التي شهدت عدم تقلص التورط الإيراني في الصراعات الإقليمية، وكذلك تطورات الأوضاع في اليمن، يتضح حسب الرؤية التي عرضها زغبي، أن أفضل استخدام لقدرات ونفوذ مجموعة 5+1 ومجلس الأمن ربما يكون تبني نهج إقليمي أوسع.
رؤية مقنعة لشعوب الشرق الأوسط
وسيكون المضي قدماً في مثل هذه الجهود صعباً بلا أدنى شك، بل وقد يُقابَل بالرفض في البداية من جانب «المتشددين» في بعض البلاد والحكومات، لكن هذه الجهود تحمل ميزات تفوق البدائل الأخرى. نظراً إلى أن جميع هذه الصراعات ينخرط فيها البعض، من نفس الأطراف الإقليمية المتناحرة، فإن العمل الجزئي عن طريق معالجة كل صراع على حدة، كما لو أنها ليست إلا نتيجة اضطرابات داخلية سوف يُسفر عن سلسلة من الطرق المغلقة على نحو مُحبِط. بعبارة أخرى، يُقدم التفكير العميق الموسع تحديات عسيرة، لكن الاعتراف بترابط صراعات المنطقة يحمل في جعبته إطلاق العنان لبذل الطاقات الدبلوماسية بدلاً من الاستمرار في هذه الصورة العقيمة من التعامل مع صراعات المنطقة، كل على حدة، ربما لعشر سنوات أخرى.
ويرى زغبي أن ثمة ميزة أخرى يحملها التفكير العميق الموسع، وهي أنه قادر على المساعدة في الدفع برؤية واعدة أكثر إشراقاً لمستقبل المنطقة. وأوضح أن استطلاعات الرأي في مؤسسة زغبي لخدمات البحوث تشير إلى أن الشعوب في الشرق الأوسط تريد وحدة إقليمية واستثماراً في المستقبل، ما يجلب السلام والرخاء.
فقد عاصرت الشعوب حروباً كافيةً، وتريد فرص عمل، وتعليماً متطوراً، ورعاية صحية، ومستقبلاً أفضل من أجل أطفالهم. واستنتج أنه إذا استطاعت إدارة بايدن، من خلال العمل في إطار العمل الخاص بمجموعة 5+1، أن تخطط لرؤية مقنعة من أجل مستقبل أكثر إشراقاً، ثم تضع ثقلها الدبلوماسي وراء حشد الأطراف الرئيسية عالمياً وإقليمياً، ولو حتى لبذل المحاولات، فقد تُشكل مصدر إلهام جيداً لائتلاف فعال من قادة المنطقة ومُشكِّلي الرأي العام، للمطالبة بتغيير مسار الدوامة الحالية التي تؤدي إلى التدهور والانحدار.
copy short url   نسخ
27/02/2021
614